" صفحة رقم ٢٠٠ "
قَالُو اْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ).
أرادوا إفحام الرسل بقطع المجادلة النظرية، فنفوا اختصاص الرسل بشيء زائد في صورتهم البشرية يُعلم به أن الله اصطفاهم دون غيرهم بأن جعلهم رسلاً عنه، وهؤلاء الأقوام يحسبون أن هذا أقطع لحجة الرسل لأن المماثلة بينهم وبين قومهم محسوسة لا تحتاج إلى تطويل في الاحتجاج، فلذلك طالبوا رسلهم أن يأتوا بحجة محسوسة تثبت أن الله اختارهم للرسالة عنه، وحسبانهم بذلك التعجيز.
فجملة ) تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ( في موضع الحال، وهي قيد لما دل عليه الحصر في جملة ) إن أنتم إلا بشر مثلنا ( من جحد كونهم رسلاً من الله بالدّين الذي جاءوهم به مخالفاً لدينهم القديم، فبذلك الاعتبار كان موقع التفريع لجملة ) فأتونا بسلطان مبين ( لأن مجرّد كونهم بشراً لا يقتضي مطالبتهم بالإتيان بسلطان مبين وإنما اقتضاه أنهم جاءوهم بإبطال دين قومهم، وهو مضمون ما أرسلوا به.
وقد عبّروا عن دينهم بالموصولية لما تؤذن به الصلة من التنويه بدينهم بأنه متقلَّد آبائهم الذين يحسبونهم معصومين من اتباع الباطل، وللأمم تقديس لأسلافها فلذلك عدلوا عن أن يقولوا : تريدون أن تصدّونا عن ديننا.
والسلطان : الحجة. وقد تقدّم في قوله :( أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان في سورة الأعراف ( ٧١ ).
المبين الواضح الذي لا احتمال فيه لغير ما دل عليه.


الصفحة التالية
Icon