" صفحة رقم ٢٠٨ "
ومعنى ) خاف مقامي ( خافني، فلفظ ) مقام ( مقحم للمبالغة في تعلق الفعل بمفعوله، كقوله تعالى :( ولمن خاف مقام ربه جنتان ( الرحمن : ٤٦ )، لأن المقام أصله مكان القيام، وأريد فيه بالقيام مطلق الوجود لأن الأشياء تعتبر قائمة، فإذا قيل خاف مقامي ( كان فيه من المبالغة ما ليس في ( خافني ) بحيث إن الخوف يتعلق بمكان المخوف منه. كما يقال : قصّر في جانبي. ومنه قوله تعالى :( على ما فرطت في جنب الله ( سورة الزمر : ٥٦ ). وكل ذلك كناية عن المضاف إليه كقول زياد الأعجم :
إن السماحة والمروءة والندى
في قُبة ضُربت على ابن الحشرج
أي في ابن الحشرج من غير نظر إلى وجود قبة. ومنه ما في الحديث إن الله لما خلق الرحم أخذت بساق العرش وقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة، أي هذا العائذ بك القطيعة.
وخوف الله : هو خوف غضبه لأن غضب الله أمر مكروه لدى عبيده.
وعطف جملة وخاف وعيد ( على ) خاف مقامي ( مع إعادة فعل ) خاف ( دون اكتفاء بعطف ) وعيدي ( على ) مقامي ( لأن هذه الصلة وإن كان صريحها ثناءً على المخاطبين فالمراد منها التعريض بالكافرين بأنهم لا يخافون وعيد الله، ولولا ذلك لكانت جملة ) خاف مقامي ( تغني عن هذه الجملة، فإن المشركين لم يعبأوا بوعيد الله وحسبوه عبثاً، قال تعالى :( ويستعجلونك بالعذاب ( سورة الحج : ٤٧ )، ولذلك لم يجمع بينهما في سورة البينة ( ٨ ) ذلك لمن خشي ربه، لأنه في سياق ذكر نعيم المؤمنين خاصة.
وهذه الآية في ذكر إهلاك الظالمين وإسكان المؤمنين أرضهم فكان المقام للفريقين، فجمع في جزاء المؤمنين بإدماج التعريض بوعي الكافرين، وفي الجمع بينهما دلالة على أن من حق المؤمن أن يخاف غضب ربه وأن يخاف


الصفحة التالية
Icon