" صفحة رقم ٢٢٨ "
وقد نزل المخاطب منزلة من لم ير. والخطاب لمن يصح منه النظر إلى حال هؤلاء الذين بدلوا نعمة الله مع وضوح حالهم.
والكفر : كفران النعمة، وهو ضد الشكر، والإشراك بالله من كفران نعمته.
وفي قوله : بدلوا نعمة الله كفراً ( محسن الاحتباك. وتقدير الكلام : بدلوا نعمة الله وشُكرَها كفراً بها ونقمةً منه، كما دل عليه قوله :( وأحلوا قومهم دار البوار ( الخ.
واستعير التبديل لوضع الشيء في الموضع الذي يستحقه شيء آخر، لأنه يشبه تبديل الذات بالذات.
والذين بدلوا هذا التبديل فريق معرفون، بقرينة قوله :( ألم تر إلى الذين (، وهم الذين تلقوا الكلمة الخبيثة من الشيطان، أي كلمة الشرك، وهم الذين استكبروا من مشركي أهل مكة فكابروا دعوة الإسلام وكذّبوا النبي ( ﷺ ) وشرّدوا من استطاعوا، وتسببوا في إحلال قومهم دار البوار، فإسناد فعل ) أحلوا ( إليهم على طريقة المجاز العقلي.
ونعمة الله التي بدلوها هي نعمة أن بوّأهُم حرمه، وأمنهم في سفرهم وإقامتهم، وجعل أفئدة الناس تهوي إليهم، وسلمهم مما أصاب غيرهم من الحروب والغارات والعدوان، فكفروا بمن وهبهم هذه النعم وعبدوا الحجارة. ثم أنعم الله عليهم بأن بعث فيهم أفضل أنبيائه صلى الله عليهم جميعاً وهداهم إلى الحق، وهيّأ لهم أسباب السيادة والنجاة في الدنيا والآخرة، فبدّلو شكر ذلك بالكفر به، فنعمة الله الكبرى هي رسالة محمد ( ﷺ ) ودعوة إبراهيم وبنيّته عليهم السلام.
وقومهم : هم الذين اتبعوهم في ملازمة الكفر حتى ماتوا كفاراً، فهم أحق بأن يضافوا إليهم.


الصفحة التالية
Icon