" صفحة رقم ٢٣٣ "
و ) سراً وعلانية ( حالان من ضمير ) ينفقوا (، وهما مصدران. وقد تقدم عند قوله تعالى :( سراً وعلانية في سورة البقرة ( ٢٧٤ ). والمقصود تعميم الأحوال في طلب الإنفاق لكيلا يظنوا أن الإعلان يجر إلى الرياء كما كان حال الجاهلية، أو أن الإنفاق سراً يفضي إلى إخفاء الغني نعمة الله فيجر إلى كفران النعمة، فربما توخى المرء أحد الحالين فأفضى إلى ترك الإنفاق في الحال الآخر فتعطل نفع كثير وثواب جزيل، فبين الله للناس أن الإنفاق بِرّ لا يكدره ما يحف به من الأحوال، وإنما الأعمال بالنيات. وقد تقدم شيء من هذا عند قوله : الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ( سورة التوبة : ٧٩ ) الآية.
وقيل المقصود من السر الإنفاق المتطوع به، ومن العلانية الإنفاق الواجب.
وتقديم السر على العلانية تنبيه على أنه أولى الحالين لبعده عن خواطر الرياء، ولأن فيه استبقاءً لبعض حياء المتصدق عليه.
وقوله : من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ( الخ متعلق بفعل ) يقيموا الصلوات وينفقوا (، أي ليفعلوا ذينك الأمرين قبل حلول اليوم الذي تتعذر فيه المعاوضات والإنفاق. وهذا كناية عن عظيم منافع إقامة الصلاة والإنفاق قبل يوم الجزاء عنهما حين يتمنون أن يكونوا ازدادوا من ذينك لما يسرهم من ثوابهما فلا يجدون سبيلاً للاستزادة منهما، إذ لا بيع يومئذٍ فيشترى الثواب ولا خلال من شأنها الإرفاد والإسعاف بالثواب. فالمراد بالبيع المعاوضة وبالخلال الكناية عن التبرع.
ونظيره قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة في سورة البقرة ( ٢٥٤ ).
وبهذا تبين أن المراد من الخلال هنا آثارها، بقرينة المقام، وليس المراد نفي الخلة، أي الصحبة والمودّة لأن المودّة ثابتة بين المتقين، قال تعالى : الأخلاء