" صفحة رقم ٨٦ "
والقيام عليها، فجاء ذلك معطوفاً على الأشياء التي أسند جَعْلها إلى الله تعالى، ولكنه لم يسند إلى الله حتى بلغ إلى قوله :( ونفضل بعضها على بعض في الأكل (، لأن ذلك بأسرار أودعها الله تعالى فيها هي موجب تفاضلها. وأمثال هذه العِبر، ولَفْتتِ النظر مما انفرد به القرآن من بين سائر الكتب.
وأعيد اسم ) الأرض ( الظاهر دون ضميرها الذي هو المقتضَى ليستقل الكلام ويتجدد الأسلوب، وأصل انتظام الكلام أن يقال : جَعل فيها زوجين اثنين، وفيها قطعٌ متجاورات، فعدل إلى هذا توضيحاً وإيجازاً.
والقِطع : جمع قِطعة بكسر القاف، وهي الجزء من الشيء تشبيهاً لها بما يقتطع. وليس وصف القِطع بمتجاورات مقصوداً بالذات في هذا المقام إذ ليس هو محل العبرة بالآيات، بل المقصود وصفٌ محذوف دل عليه السياق تقديره ؛ مختلفات الألوان والمنابت، كما دل عليه قوله :( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ).
وإنما وصفت بمتجاورات لأن اختلاف الألوان والمنابت مع التجاور أشد دلالة على القدرة العظيمة، وهذا كقوله تعالى :( ومن الجبال جُدَدٌ بِيض وحُمر مختلفٌ ألوانها وغرابيب سود ( فاطر : ٢٧ ).
فمعنى قطع متجاورات ( بقاعٌ مختلفة مع كونها متجاورةً متلاصقة.
والاقتصار على ذكر الأرض وقِطعها يشير إلى اختلاف حاصل فيها عن غير صنع الناس وذلك اختلاف المراعي والكلأ. ومجرد ذكر القطَع كاف في ذلك فأحالهم على المشاهدة المعروفة من اختلاف منابت قطع الأرض من الأبّ والكلإ وهي مراعي أنعامهم ودوابّهم، ولذلك لم يقع التعرض هنا لاختلاف أُكله إذ لا مذاق للآدمي فيه ولكنه يختلف شَرعهُ بعض الحيوان على بعضه دون بعض.
وتقدم الكلام على ) وجنات من أعناب ( عند قوله تعالى :( ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب ( الأنعام : ٩٩ ).


الصفحة التالية
Icon