" صفحة رقم ٩٣ "
استهزأوا بالنبي ( ﷺ ) وتعرضوا لسؤال حلول العذاب بهم ورأوا أنه لم يعجل لهم حلوله اعترتهم ضراوة بالتكذيب وحسبوا تأخير العذاب عَجْزاً من المتوعد وكذبوا النبي ( ﷺ ) وهم يجهلون أن الله حليم يُمهل عباده لعلهم يرجعون، فالمغفرة هنا مستعملة في المغفرة الموقتة، وهي التجاوز عن ضراوة تكذيبهم وتأخير العذاب إلى أجل، كما قال تعالى :( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحسبه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( سورة النحل : ٣٤ ).
وقرينة ذلك أن الكلام جار على عذاب الدنيا وهو الذي يقبل التأخير كما قال تعالى : إنا كاشفوا العذاب قليلاً إنكم عائدون ( الدخان : ١٥ )، أي عذاب الدنيا، وهو الجوع الذي أصيب به قريش بعد أن كان يطعمهم من جوع.
وعلى ( في قوله :( على ظلمهم ( بمعنى ) مع ).
وسياق الآية يدل على أن المراد بالمغفرة هنا التجاوز عن المشركين في الدنيا بتأخير العقاب لهم إلى أجل أراده الله أو إلى يوم الحساب، وأن المراد بالعقاب في قوله :( وإن ربك لشديد العقاب ( ضد تلك المغفرة وهو العقاب المؤجل في الدنيا أو عقاب يوم الحساب، فمحمل الظلم على ما هو المشهور في اصطلاح القرآن من إطلاقه على الشرك.
ويجوز أن يحمل الظلم على ارتكاب الذنوب بقرينة السياق كإطلاقه في قوله تعالى :( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ( سورة النساء : ١٦٠ ) فلا تعارض أصلاً بين هذا المحمل وبين قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ( النساء : ٤٨ ) كما هو ظاهر.
وفائدة هذه العلاوة إظهار شدة رحمة الله بعباده في الدنيا كما قال : ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى ( فاطر : ٤٥ ).


الصفحة التالية
Icon