" صفحة رقم ١٠٩ "
عليه وسلم أن الله ورسوله ينهيانكم عن أكل لحوم الحمر. فأهرقت القدور.
وأن الخيل والبغال والحمير سواء في أن الآية لا تشمل حكم أكلها. فالمصير في جواز أكلها ومنعه إلى أدلّة أخرى.
فأما الخيل والبغال ففي جواز أكلها خلاف قوي بين أهل العلم، وجمهورهم أباحوا أكلها. وهو قول الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والظاهري، وروي عن ابن مسعود وأسماء بنت أبي بكر وعطاء والزهري والنخعي وابن جبير.
وقال مالك وأبو حنيفة : يحرم أكل لحوم الخيل، وروي عن ابن عباس. واحتجّ بقوله تعالى : لتركبوها وزينة (، ولو كانت مباحة الأكل لامتنّ بأكلها كما امتنّ في الأنعام بقوله :( ومنها تأكلون ( سورة النحل : ٥ ). وهو دليل لا ينهض بمفرده. فيجاب عنه بما قرّرنا من جريان الكلام على مراعاة عادة المخاطبين به. وقد ثبتت أحاديث كثيرة أن المسلمين أكلوا لحوم الخيل في زمن رسول الله وعلمه. ولكنه كان نادراً في عادتهم.
وعن مالك رضي الله عنه رواية بكراهة لحوم الخيل واختار ذلك القرطبي.
وأما الحمير فقد ثبت أكل المسلمين لحومها يوم خيبر. ثم نُهوا عن ذلك كما في الحديث المتقدم. واختلف في محمل ذلك، فحملهُ الجمهور على التحريم لذات الحمير. وحملهُ بعضهم على تأويل أنها كانت حمولتهم يومئذٍ فلو استرسلوا على أكلها لانقطعوا بذلك المكان فآبوا رجالاً ولم يستطيعوا حمل أمتعتهم. وهذا رأي فريق من السلف. وأخذ فريق من السّلف بظاهر النهي فقالوا بتحريم أكل لحوم الحمر الإنسية لأنها مورد النهي وأبقوا الوحشية على الإباحة الأصلية. وهو قول جمهور الأيمة مالك وأبي حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon