" صفحة رقم ١٢١ "
هذين بالإلقاء بيّناً. وإطلاقه على وضع السبل والعلامات تغليب. ومن إطلاق الإلقاء على الإعطاء ونحوه قوله تعالى :( ءألقي الذكر عليه من بيننا ( سورة القمر : ٢٥ ).
ورواسي ( جمع راس. وهو وصف من الرسْو بفتح الراء وسكون السين. ويقال بضم الراء والسين مشددة وتشديد الواو. وهو الثبات والتمكن في المكان، قال تعالى :( وقدور راسيات ( سورة سبأ : ١٣ ).
ويطلق على الجبل راس بمنزلة الوصف الغالب. وجمعه على زنة فواعل على خلاف القياس. وهو من النوادر مثل عَواذل وفوارس. وتقدم بعض الكلام عليه في أول الرعد.
وقوله تعالى : أن تميد بكم ( تعليل لإلقاء الرواسي في الأرض. والمَيْد : الاضطراب. وضمير ) تميد ( عائد إلى ) الأرض ( بقرينة قرنه بقوله تعالى :( بكم (، لأن الميد إذا عُدّي بالباء علم أن المجرور بالباء هو الشيء المستقرّ في الظرف المَائد، والاضطراب يعطّل مصالح الناس ويلحق بهم آلاماً.
ولما كان المقام مقام امتنان علم أن المعلل به هو انتفاء الميد لا وقوعُه. فالكلام جار على حذففٍ تقتضيه القرينة، ومثله كثير في القرآن وكلام العرب، قال عمرو بن كلثوم :
فعجّلنا القِرى أن تشتمونا
أراد أن لا تشتمونا. فالعلّة هِي انتفاء الشتم لا وقوعه. ونحاة الكوفة يخرجون أمثال ذلك على حذف حرف النّفي بعد ) أنْ ). والتقدير : لأن لا تميد بكم ولئلا تشتمونا، وهو الظاهر. ونحاة البصرة يخرجون مثله على حذف مضاف بين الفعل المعلل و ) أنْ ). تقديره : كراهيّة أن تميد بكم.
وهذا المعنى الذي أشارت إليه الآية معنى غامض. ولعلّ الله جعَل نتوء الجبال على سطح الأرض معدّلاً لكرويتها بحيث لا تكون بحدّ من الملاسة يخفّف حركتها في الفضاء تخفيفاً يوجب شدّة اضطرابها.


الصفحة التالية
Icon