" صفحة رقم ١٢٤ "
وفي هذا إيماء إلى الاستكثار من الشكر على مجمل النعم، وتعريض بفظاعة كفر من كفروا بهذا المنعم، وتغليظ التهديد لهم. وتقدم نظيرها في سورة إبراهيم.
وجملة ) إن الله لغفور رحيم ( استئناف عُقب به تغليظ الكفر والتّهديد عليه تنبيهاً على تمكّنهم من تدارك أمرهم بأن يقلعوا عن الشرك، ويتأهبوا للشكر بما يطيقون، على عادة القرآن من تعقيب الزواجر بالرغائب كيلا يقنط المسرفون.
وقد خولف بين ختام هذه الآية وختام آية سورة إبراهيم، إذ وقع هنالك ) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ( سورة إبراهيم : ٣٤ ) لأن تلك جاءت في سياق وعيد وتهديدٍ عقب قوله تعالى : ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفرا ( سورة إبراهيم : ٢٨ ) فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله.
وأما هذه الآية فقد جاءت خطاباً للفريقين كما كانت النّعم المعدودة عليهم منتفعاً بها كلاهما.
ثم كان من اللطائف أن قوبل الوصفان اللذان في آية سورة إبراهيم لظلوم كفار ( بوصفين هنا ) لغفور رحيم ( إشارة إلى أن تلك النّعم كانت سبباً لظلم الإنسان وكفره وهي سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان.
) ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ).
عطف على جملة ) أفمن يخلق كمن لا يخلق ( سورة النحل : ١٧ ). فبعد أن أُثبت أن الله منفرد بصفة الخلق دون غيره بالأدلّة العديدة ثم باستنتاج ذلك بقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق ( انتُقل هنا إلى إثبات أنه منفرد بعموم العلم.
ولم يقدم لهذا الخبر استدلال ولا عقّب بالدّليل لأنه مما دلّت عليه أدلّة الانفراد بالخلق، لأن خالق أجزاء الإنسان الظاهرة والباطنة يجب له أن


الصفحة التالية
Icon