" صفحة رقم ١٣ "
وذر ( أمر لم يسمع له ماض في كلامهم. وهو بمعنى الترك. وتقدم في قوله :( وذر الذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً في سورة الأنعام ( ٧٠ ).
والأمر بتركهم مستعمل في لازمه وهو قلة جدوى الحرص على إصلاحهم. وليس مستعملاً في الإذن بمتاركتهم لأن النبي مأمور بالدوام على دعائهم. قال تعالى : وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً إلى قوله : وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت ( سورة الأنعام : ٧٠ ). فما أمره بتركهم إلا وقد أعقبه بأمره بالتذكير بالقرآن ؛ فعلم أن الترك مستعمل في عدم الرجاء في صلاحهم. وهذا كقول كبشة أُخت عمرو بن معد يكرب في قتل أخيها عبد الله تستنهض أخاها عمراً للأخذ بثأره :
وَدَعْ عنك عمرا إن عَمْرا مُسالِم
وهل بَطن عَمرو غيرُ شِبر لمَطْعَم
وقد يستعمل هذا الفعل وما يراد به كناية عن عدم الاحتياج إلى الإعانة أو عن عدم قبول الوساطة كقوله تعالى : ذرني ومن خلقت وحيدا ( سورة المدثر : ١١ )، وقوله : وذرني والمكذبين ( سورة المزمل : ١١ ).
وقد يستعمل في الترك المجازي بتنزيل المخاطب منزلة المتلبّس بالضدّ كقول أبي تمام :
دعوني أنُحْ من قبل نوح الحمائم
ولا تجعلوني عُرضة للوَائِم
إذ مثل هذا يقال عند اليأس والقنوط عن صلاح المرء.
وقد حذف متعلق الترك لأن الفعل نزل منزلة ما لا يحتاج إلى متعلق، إذ المعني به ترك الاشتغال بهم والبعد عنهم، فلذلك عدّي فعل الترك إلى ذواتهم ليدل على اليأس منهم.
ويأكلوا ( مجزوم بلام الأمر محذوفة كما تقدم بيانه عند قوله تعالى :( قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة في سورة إبراهيم ( ٣١ ). وهو