" صفحة رقم ١٤٦ "
وجملة كذلك فعل الذين من قبلهم ( تنظير بأحوال الأمم الماضية تحقيقاً للغرضين.
والإشارة إلى الانتظار المأخوذ من ) ينظرون ( المراد منه الإعراض والإبطاء، أي كإبطائهم فعل الذين من قبلهم، فيوشك أن يأخذهم العذاب بغتة كما أخذ الذين من قبلهم. وهذا تحذير لهم وقد رفع الله عذاب الاستئصال عن أمّة محمد عليه الصلاة والسلام ببركته ولإرادته انتشار دينه.
و ) الذين من قبلهم ( هم المذكورن في قوله تعالى :( قد مكر الذين من قبلهم ( سورة الرعد : ٤٢ ).
وجملة وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ( معترضة بين جملة ) الذين من قبلهم ( سورة النحل : ٣٣ ) وجملة فأصابهم سيئات ما عملوا ).
ووجه هذا الاعتراض أن التعرّض إلى ما فعله الذين من قبلهم يشير إلى ما كان من عاقبتهم وهو استئصالهم، فعُقب بقوله تعالى :( وما ظلمهم الله (، أي فيما أصابهم.
ولمّا كان هذا الاعتراض مشتملاً على أنهم ظلموا أنفسهم صار تفريع ) فأصابهم سيئات ما عملوا ( عليه أو على ما قبله. وهو أسلوب من نظم الكلام عزيز. وتقديرُ أصله : كذلك فعل الذين من قبلهم وظلموا أنفسهم فأصابهم سيئات ما عملوا وما ظلمهم الله. ففي تغيير الأسلوب المتعارف تشويق إلى الخبر، وتهويل له بأنه ظُلم أنفسهم، وأن الله لم يظلمهم، فيترقّب السامع خبراً مفظعاً وهو ) فأصابهم سيئات ما عملوا ).
وإصابة السيئات إما بتقدير مضاف، أي أصابهم جزاؤها، أو جعلت أعمالهم السيئة كأنها هي التي أصابتهم لأنها سبب ما أصابهم، فهو مجاز عقلي.
و ) حاق ( : أحاط. والحَيْق : الإحاطة. ثم خصّ الاستعمالُ الحيقَ بإحاطة الشرّ. وقد تقدّم الكلام على ذلك عند قوله تعالى :( فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون في أوائل سورة الأنعام ( ١٠ ).


الصفحة التالية
Icon