" صفحة رقم ١٥٤ "
والعدول عن ( الموتى ) إلى من يموت ( لقصد إيذان الصّلة بتعليل نفي البعث، فإن الصّلة أقوى دلالة على التعليل من دلالة المشتق على عليّة الاشتقاق، فهم جعلوا الاضمحلال منافياً لإعادة الحياة، كما حكي عنهم ) وقال الذين كفروا أإذا كنا تراباً وآباؤنا أإنا لمخرجون ( سورة النمل : ٦٧ ).
وبَلى ( حرف لإبطال النفي في الخبر والاستفهام، أي بل يبعثهم الله. وانتصب ) وعداً ( على المفعول المطلق مؤكداً لما دلّ عليْه حرف الإبطال من حصول البعث بعد الموت. ويسمى هذا النوع من المفعول المطلق مؤكداً لنفسه، أي مؤكداً لمعنى فعل هو عين معنى المفعول المطلق.
و ) عليه ( صفة ل ) وعداً (، أي وعداً كالواجب عليه في أنه لا يقبل الخلف. ففي الكلام استعارة مكنية. شبه الوعد الذي وعده الله بمحض إرادته واختياره بالحقّ الواجب عليه ورُمز إليه بحرف الاستعلاء.
و ) حقاً ( صفة ثانية ل ) وعداً ). والحقّ هنا بمعنى الصدق الذي لا يتخلّف. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى :( وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن في سورة براءة ( ١١١ ).
والمراد بأكثر الناس المشركون، وهم يومئذٍ أكثر الناس. ومعنى لا يعلمون ( أنهم لا يعلمون كيفيّة ذلك فيقيمون من الاستبعاد دليل استحالة حصول البعث بعد الفناء.
والاستدراك ناشىء عن جعله وعداً على الله حقّاً، إذ يتوهّم السامع أن مثل ذلك لا يجهله أحد فجاء الاستدراك لرفع هذا التوهّم، ولأن جملة ) وعداً عليه حقاً ( تقتضي إمكان وقوعه والناس يستبعدون ذلك.


الصفحة التالية
Icon