" صفحة رقم ١٥٩ "
السامعين أن يسألوا كيف لم يقتدِ بهم من بقوا على الكفر فتقع جملة ) لو كانوا يعلمون ( بياناً لما استبهم على السّائِل. والتقدير : لو كانوا يعلمون ذلك لاقتدوا بهم ولكنّهم لا يعلمون. فضمير ) يعلمون ( عائد إلى ) الذين كفروا ( ( سورة النحل : ٣٩ ).
ويجوز أن يكون السؤال المثار هو : كيف يحْزن المهاجرون على ما تركوه من ديارهم وأموالهم وأهليهم، فيكون : المعنى لو كان المهاجرون يعلمون ما أعدّ لهم عِلم مشاهدة لما حزِنوا على مفارقة ديارهم ولكانت هجرتهم عن شوق إلى ما يلاقونه بعد هجرتهم، لأن تأثير العلم الحسّي على المزاج الإنساني أقوى من العلم العقلي لعدم احتياج العلم الحسّي إلى استعمال نظر واستدلال، ولعدم اشتمال العلم العقلي على تفاصيل الكيفيات التي تحبّها النفوس وترتمي إليها الشهوات، كما أشار إليه قوله تعالى :( قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ( سورة البقرة : ٢٦٠ ). فليس المراد بقوله تعالى : لو كانوا يعلمون ( لو كانوا يعتقدون ويؤمنون، لأن ذلك حاصل لا يناسب موقع ) لو ( الامتناعية.
فضمير ) يعلمون ( على هذا ( للذين هاجروا ). وفي هذا الوجه تتناسق الضمائر.
و ) الذين صبروا ( صفة ( للذين هاجروا ). والصبر : تحمّل المشاقّ. والتّوكّل : الاعتماد.
وتقدم الصبر عند قوله تعالى :( واستعينوا بالصبر والصلاة أوائل سورة البقرة ( ٤٥ ). والتوكل عند قوله تعالى : فإذا عزمت فتوكل على الله في سورة آل عمران ( ١٥٩ ).
والتعبير في جانب الصبر بالمضي وفي جانب التوكّل بالمضارع إيماء إلى أن صبرهم قد آذن بالانقضاء لانقضاء أسبابه، وأن الله قد جعل لهم فرجاً بالهجرة الواقعة والهجرة المترقّبة. فهذا بشارة لهم.


الصفحة التالية
Icon