" صفحة رقم ١٦٦ "
و ) من حيث لا يشعرون ( من مكان لا يترقّبون أن يأتيهم منه ضرّ. فمعنى ) من حيث لا يشعرون ( أنه يأتيهم بغتة لا يستطيعون دفعه، لأنهم لبأسهم ومنعتهم لا يبغتهم ما يحذرونه إذ قد أعدّوا له عدّته، فكانَ الآتي من حيث لا يشعرون عذاباً غير معهود. فوقع قوله :( من حيث لا يشعرون ( كناية عن عذاب لا يطيقون دفعه بحسب اللزوم العرفي، وإلا فقد جاء العذاب عاداً من مكان يشعرون به، قال تعالى :( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ( سورة الأحقاف : ٢٤ ). وحلّ بقوم نوح عذاب الطوفان وهم ينظرون، وكذلك عذاب الغَرَق لفرعون وقومه.
٤٦، ٤٧ ) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ).
الأخذ مستعار للإهلاك قال تعالى :( فأخذهم أخذة رابية ( سورة الحاقة : ١٠ ). وتقدّم عند قوله : أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون في سورة الأنعام ( ٤٤ ).
والتّقلّب : السعي في شؤون الحياة من متاجرة ومعاملة وسفر ومحادثة ومزاحمة. وأصله : الحركة إقبالاً وإدباراً، والمعنى : أن يهلكهم الله وهم شاعرون بمجيء العذاب.
وهذا قسيم قوله تعالى : أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون ( سورة النحل : ٤٥ ). وفي معناه قوله تعالى : أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون ( سورة الأعراف : ٩٨ ).
وتفريع فما هم بمعجزين ( اعتراض، أي لا يمنعهم من أخذه إيّاهم تقلّبهم شيء إذ لا يعجزه اجتماعهم وتعاونهم.
و ) في ( للظرفية المجازية، أي الملابسة، وهي حال من الضمير المنصوب في ) يأخذهم ).