" صفحة رقم ١٨٨ "
والتعريف في الناس ( يحمل على تعريف الجنس ليشمل جميع الناس، لأن ذلك أنسب بمقام الزجر، فليس قوله تعالى :( الناس ( مراداً به خصوص المشركين من أهل مكة الذين عادت عليهم الضمائر المتقدمة في قوله :( ليكفروا بما آتيناهم ( ( سورة النحل : ٥٥ ) وما بعده من الضمائر، وبذلك لا يكون لفظ ) الناس ( إظهاراً في مقام الإضمار.
وضمير ) عليها ( صادق على الأرض وإن لم يجر لها ذكر في الكلام فإن المقام دالّ عليها. وذلك استعمال معروف في كلامهم كقوله تعالى :( حتى توارت بالحجاب ( سورة ص : ٣٢ ) يعني الشمس، ويقولون : أصبحت باردة، يريدون الغَداة، ويقول أهل المدينة : ما بين لابتيها أحد يفعل كذا، يريدون لابتي المدينة.
والدّابة : اسم لما يدبّ على الأرض، أي يمشي، وتأنيثه بتأويل ذات. وخصّ اسم دابة ( في الاستعمال بالإطلاق على ما عدا الإنسان مما يمشي على الأرض.
وحرف ) لو ( حرف امتناع لامتناععٍ، أي حرف شرط يدلّ على امتناع وقوع جوابه لأجل امتناع وقوع شرطه. وشرط ) لو ( ملازمٌ للزمن الماضي فإذا وقع بعد ) لَوْ ( مضارع انصرف إلى الماضي غالباً.
فالمعنى : لو كان الله مؤاخذاً الخلق على شركهم لأفناهم من الأرض وأفنى الدوابّ معهم، أي ولكنه لم يؤاخذهم.
ودليل انتفاء شرط ) لو ( هو انتفاء جوابها، ودليل انتفاء جوابها هو المشاهدة، فإن الناس والدوابّ ما زالوا موجودين على الأرض.
ووجه الملازمة بين مؤاخذة الظالمين بذنوبهم وبين إفناء الناس غير الظالمين وإفناء الدوابّ أن الله خلق الناس ليعبدوه، أي ليعترفوا له بالإلهية والوحدانية فيها، لقوله تعالى :( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( سورة الذاريات : ٥٦ )، وأن ذلك مودع في الفطرة لقوله تعالى : وإذ أخذ ربّك من بني ءادم من ظهورهم ذرّياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ( سورة الأعراف : ١٧٢ ).


الصفحة التالية
Icon