" صفحة رقم ٢٥٨ "
والبَلْو : الاختبار والتجربة. وقد تقدم عند قوله تعالى :( هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت في سورة يونس ( ٣٠ ). وهو هنا مستعار لتعلق علم الله التنجيزي بالمعلوم عند حصوله بقرينة الأدلة العقلية والسمعية الدالة على إحاطة علم الله بكل شيء قبل وقوعه فهو مستغننٍ عن الاختبار والتجربة. وفائدة هذه الاستعارة الانتقال منها إلى الكناية عن ظهور ذلك لكل الناس حتى لا يلتبس عليهم الصالح بضده. وهو كقول قيس بن الخطيم :
وأقبلت والخطي يخطر بيننا
لأعْلَم مَن جَبَانُها من شُجاعها
وقوله : وإنا لجاعلون ما عليها صعيداً جرزاً ( تكميل للعبرة وتحقيق لفناء العالم. فقوله :( جاعلون ( اسم فاعل مراد به المستقبل، أي سنجعل ما على الأرض كله معدوماً فلا يكون على الأرض إلا تراب جاف أجرد لا يصلح للحياة فوقه وذلك هو فناء العالم، قال تعالى :( يوم تبدل الأرض غير الأرض ( ( إبراهيم : ٤٨ ).
والصعيد : التراب. والجُرز : القاحل الأجرد. وسيأتي بيان معنى الصعيد عند قوله :( فتصبح صعيداً زلقا ( في هذه السورة ( ٤٠ ).
٩ ) ) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَبًا (
( أم ) للإضراب الانتقالي من غرض إلى غرض. ولما كان هذا من المقاصد التي أنزلت السورة لبيانها لم يكن هذا الانتقال اقتضاباً بل هو كالانتقال من الديباجة والمقدمة إلى المقصود.
على أن مناسبة الانتقال إليه تتصل بقوله تعالى :( فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً ( ( الكهف : ٦ )، إذ كان مما صرف المشركين عن الإيمان إحالتهم الإحياء بعد الموت، فكان ذكر أهل الكهف وبعثِهم بعد خمودهم سنين طويلة مثالاً لإمكان البعث.


الصفحة التالية
Icon