" صفحة رقم ٢٧٦ "
) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إَلاَّ اللَّهَ فَأْوُواْ إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقًا (
يتعين أن يكون هذا من كلام بعضهم لبعض على سبيل النصح والمشورة الصائبة. وليس يلزم في حكاية أقوال القائلين أن تكون المحكيات كلها صادرة في وقت واحد، فيجوز أن يكونوا قال بعضهم لبعض ذلك بعد اليأس من ارعِواء قومهم عن فتنتهم في مقام آخر. ويجوز أن يكون ذلك في نفس المقام الذي خاطبوا فيه قومهم بأن غيروا الخطاب من مواجهة قومهم إلى مواجهة بعضهم بعضاً، وهو ضرب من الالتفات. فعلى الوجه الأول يكون فعل ) اعتزلتموهم ( مستعملاً في إرادة الفعل مثل ) إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ( المائدة : ٦ )، وعلى الوجه الثاني يكون الاعتزال قد حصل فيما بين مقام خطابهم قومهم وبين مخاطبة بعضهم بعضاً. وعلى الاحتمالين فالقرآن اقتصر في حكاية أقوالهم على المقصد الأهم منها في الدلالة على ثباتهم دون ما سوى ذلك ممّا لا أثر له في الغرض وإنما هو مجرد قصص.
و إذ للظرفية المجازية بمعنى التعليل.
والاعتزال : التباعد والانفراد عن مخالطة الشيء، فمعنى اعتزال القوم ترك مخالطتهم. ومعنى اعتزال ما يعبدون : التباعد عن عبادة الأصنام.
والاستثناء في قوله : إلا الله ( منقطع لأن الله تعالى لم يكن يعبده القوم.
والفاء للتفريع على جملة ) وإذ اعتزلتموهم ( باعتبار إفادتها معنى : اعتزلتم دينهم اعتزالاً اعتقادياً، فيقدر بعدها جملة نحو : اعتزلوهم اعتزالَ مفارقة فأوُوا