" صفحة رقم ٢٨٢ "
والمعنى : لو اطلعت عليهم ولم تكن علمت بقصتهم لحسبتهم لصوصاً قطاعاً للطريق، إذ هم عدد في كهف وكانت الكهوف مخابىء لقطاع الطريق، كما قال تأبط شراً :
أقولُ للَحْيَاننٍ وقد صفّرتْ لهم
وطابي يوَمي ضَيّقُ الجُحْر مُعوِر
ففررت منهم وملكك الرعب من شرهم، كقوله تعالى :( نكرهم وأوجس منهم خيفة ( هود : ٧٠ ). وليس المراد الرعب من ذواتهم إذ ليس في ذواتهم ما يخالف خلق الناس، ولا الخوف من كونهم أمواتاً إذ لم يكن الرعب من الأموات من خلال العرب، على أنه قد سبق وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ).
والاطلاع : الإشراف على الشيء ورؤيته من مكان مرتفع، لأنه افتعال من طَلع إذا ارتقى جَبلا، فصيغ الافتعال للمبالغة في الارتقاء، وضمن معنى الإشراف فعدي ب ( على )، ثم استعمل مجازاً مشهوراً في رؤية الشيء الذي لا يراه أحد، وسيأتي ذكر هذا الفعل عند قوله تعالى :( أطلع الغيب في سورة مريم ( ٧٨ )، فضلاً عن أن يكون الخطاب للنبيء. وفي الكشاف ( عن ابن عباس ما يقتضي ذلك وليس بصحيح.
وانتصب ) فراراً ( على المفعول المطلق المبين لنوع ) وليت.
ومُلّئتَ ( مبني للمجهول، أي مَلاك الرعب ومَلّا بتشديد اللام مضاعف مَلاَ وقرىء بهما.
والمَلْء : كون المظروف حالاً في جميع فراغ الظرف بحيث لا تبقى في الظرف سعة لزيادة شيء من المظروف، فمثلت الصفة النفسية بالمظروف، ومُثل عقل الإنسان بالظرف، ومثل تمكن الصفة من النفس بحيث لا يُخالطها تفكير في غيرها بملء الظرف بالمظروف، فكان في قوله :( ملّئت ( استعارة تمثيلية، وعكسه قوله تعالى :( وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ( القصص : ١٠ ).


الصفحة التالية
Icon