" صفحة رقم ٢٩٧ "
حكيم : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأُ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا ). فعلم حكيم أن قول رسول الله ( ﷺ ) له ذلك ليس القصد منه منعه من سُؤْله وإنما قصد منه تخليقه بخلق جميل، فلذلك أقسم حكيم : أن لا يأخذ عن أحد غير رسول الله شيئاً، ولم يقل : لا أسألك بعد هذه المرة شيئاً.
فنظم الآية أن اللام في قوله :( لشيء ( ليست اللام التي يتعدى بها فعل القول إلى المخاطب بل هي لام العلة، أي لا تقولن : إني فاعل كذا لأجل شيء تَعِدُ به، فاللام بمنزلة ( في ).
و ( شيء ) اسم متوغل في التنكير يفسره المقام، أي لشيء تريد أن تفعله.
والإشارة بقوله :( ذلك ( عائدة إلى ( شيء ). أي أني فاعل الإخبار بأمر يسألونه.
و ) غداً ( مستعمل في المستقبل مجازاً. وليست كلمة ( غداً ) مراداً بها اليوم الذي يلي يَومه، ولكنه مستعمل في معنى الزمان المستقبل، كما يستعمل اليومُ بمعنى زمان الحال، والأمسُ بمعنى زمن الماضي. وقد جمعها قول زهير :
وأعلمُ عِلم اليوم والأمس قبله
ولكنني عن علم ما في غدٍ عَمِ
وظاهر الآية اقتصار إعمالها على الإخبار بالعزم على فعل في المستقبل دون ما كان من الكلام إنشاءً مثل الأيمان، فلذلك اختلف فقهاء الأمصار في شمول هذه الآية لإنشاء الأيمان ونحوها، فقال جمهورهم : يكون ذكر ) إلا أن يشاء الله ( حَلاً لعقد اليمين يُسقط وجوب الكفارة. ولعلهم أخذوه من معنى ( شيء ) في قوله :( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك ( الخ : بحيث إذا أُعقبت اليمينُ بقول ( إلا أن يشاء الله ) ونحوه لم يلزم البر في اليمين. وروى ابن القاسم وأشهب وابنُ عبد الحكم عن مالك أن قوله :( ولا تقولن لشيء إني فاعل ( الخ.. إنما قُصد بذلك ذكر الله عند السهو وليس باستثناء. يعني أن حكم الثنيا


الصفحة التالية
Icon