" صفحة رقم ٣٦١ "
ابتداء عجيباً في باب الإيجاز، فإن قوله ذلك يدل على أنه كان في عَمل نهايته البلوغ إلى مكان، فعلم أن ذلك العلم هو سَيْرُ سَفر.
ويدل على أن فتاهُ استعظم هذه الرحلة وخشي أن تنالهما فيها مشقة تعوقهما عن إتمامها، أو هو بحيث يستعظمها للعلم بأنها رحلة بعيدة، وذلك شأن أسباب الأمور المهمة، ويدل على أن المكان الذي يسير إليه مكان يجد عنده مطلبه.
وأبرح ( مضارع بَرِح بكسر الراء، بمعنى زال يزول. وتقدم في سورة يوسف عليه السلام. واستعير ) لا أبرح ( لِمعنى : لا أترك، أو لا أكف عن السير حتى أبلغ مجمع البحرين. ويجوز أن يكون مضارع بَرح الذي هو فعل ناقص لا يستعمل ناقصاً إلا مع النفي ويكون الخبر محذوفاً بقرينة الكلام، أي لا أبرح سائراً. وعن الرضيّ أن حذف خبرها قليل.
وحُذف ذكر الغرض الذي سار لأجله موسى عليه السلام لأنه سيُذكر بعدُ، وهو حذف إيجاز وتشويق، له موقع عظيم في حكاية القصة، لإخراجها عن مطروق القصص إلى أسلوب بديع الحِكم والأمثال قضاء لِحق بلاغة الإعجاز.
وتفصيل هذه القصة وارد في ( صحيح البخاري ) من حديث :( عمرو بن دينار ويعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أُبَيّ بن كعب عن النبي ( ﷺ ) أن موسى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل فسُئل : أي الناس أعلم ؟ فقال : أنا. فعتَب الله عليه إذ لمْ يَردّ العلمَ إليه. فأوحى الله إليه : بلى عبدُنا خَضِرٌ هو أعلم منك. قال : فأين هو ؟ قال : بمجمع البحرين. قال موسى عليه السلام : يا رب اجعل لي علَماً أعلم ذلك به. قال : تَأخذ معك حُوتاً في مِكَتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثَمّ، فأخذ حوتاً فجعله في مِكتل وقال لفتاه يوشع بن نون : لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال ( أي فتاه ) : ما كلّفتَ كثيراً. ثم انطلق وانطلق بفتاه حتى إذا أتيا الصخرة وضعَا رؤوسهما فنامَا واضطرب الحوت في المِكتل