" صفحة رقم ١٤٢ "
يفيد عموم تصرفه تعالى في سائر الكائنات، ثمّ فرع عليه أمر الرسول عليه السلام بعبادته، فقد انتقل الخطاب إليه.
وارتفع ) رَبُّ السَّمَواتِ ( على الخبرية لمبتدأ محذوف ملتزم الحذف في المقام الذي يذكر فيه أحد بأخبار وأوصاف ثم يراد تخصيصه بخبر آخر. وهذا الحذف سمّاه السكاكي بالحذف الذي اتّبِع فيه الاستعمال كقول الصولي أو ابن الزّبير بفتح الزاي وكسر الموحدة :
سأشكر عَمْرَاً إنْ تراختْ منيتي
أياديَ لم تُمنَنْ وإنْ هيَ جلّتِ
فتىً غيرُ محجوب الغنى عن صديقه
ولا مظهرُ الشكوى إذا النعل زلّت
والسماوات : العوالم العلوية. والأرض : العالم السفلي، وما بينهما : الأجواء والآفاق. وتلك الثلاثة تعم سائر الكائنات.
والخطاب في ) فَاعبُدهُ واصْطَبِر ( و ) هَلْ تَعْلَمُ ( للنبيء ( ﷺ )
وتفريع الأمر بعبادته على ذلك ظاهر المناسبة ويحصل منه التخلّص إلى التنويه بالتّوحيد وتفظيع الإشراك.
والاصطبار : شدّة الصبر على الأمر الشاق، لأنّ صيغة الافتعال تَرِد لإفادة قوّة الفعل. وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف ( على ) كما قال تعالى :( وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ( ( طه : ١٣٢ ) ولكنه عدي هنا باللاّم لتضمينه معنى الثّبات. أي اثبت للعبادة، لأنّ العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس، وقد يغلب بعضها بعض النّفوس فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض كما قال النبي ( ﷺ ) في صلاة العشاء :( هي أثقل صلاة على المنافقين ). فلذلك لما أمر الله رسوله بالصبر على العبادة كلها وفيها أصناف


الصفحة التالية
Icon