" صفحة رقم ١٩٨ "
وأحسن منه على هذا الوجه أن يقال هو أمر لموسى بأن يطوي الوادي ويصعَدَ إلى أعلاه لتلقي الوحي. وقد قيل : إنّ موسى صَعِدَ أعلى الوادي. وقيل : هو بمعنى المقدس تقديسين، لأن الطي هو جعل الثوب على شقين، ويجيء على هذا الوجه أن تجعل التثنية كناية عن التكرير والتضعيف مثل :( ثم ارجع البصر كرتين ( ( الملك : ٤ ). فالمعنى : المقدّس تقديساً شديداً. فاسم المصدر مفعول مطلق مبيّن للعدد، أي المقدّس تقديساً مضاعفاً.
والظاهر عندي : أنّ ) طُوىً ( اسم لصنف من الأودية يكون ضيقاً بمنزلة الثوب المطوي أو غائراً كالبئر المطوية، والبئر تسمى طَوِيّاً. وسمي وادٍ بظاهر مكة ( ذا طوى ) بتثليث الطاء، وهو مكان يسن للحاج أو المعتمر القادم إلى مكة أن يغتسل عنده.
وقد اختلف في ( طوى ) هل ينصرف أو يمنع من الصرف بناء على أنه اسم أعجمي أو لأنه معدول عن طاو، مثل عُمر عن عامر.
وقرأ الجمهور ) طوى بلا تنوين على منعه من الصرف. وقرأه ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف منوّناً، لأنه اسم واد مذكّر.
وقوله وأنَا اخْتَرْتُكَ ( أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التخصيص، أي الحصر نحو : أنا سعيت في حاجتك، وهو يعطي الجزيل. وموجِب التقوّي هو غرابة الخبر ومفاجأته به دفعاً لتطرّق الشك في نفسه.
والاختيار : تكلف طلب ما هو خير. واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير.


الصفحة التالية
Icon