" صفحة رقم ٢٠٥ "
عليها الشك في إمكان استتار المعتاد بساتر خفي أو تخييل، فلذلك ابتدىء بسؤاله عما بيده ليوقن أنه ممسك بعصاه حتى إذا انقلبت حيّة لم يشك في أنّ تلك الحيّة هي التي كانت عصاه. فالاستفهام مستعمل في تحقيق حقيقة المسؤول عنه.
والقصد من ذلك زيادة اطمئنان قلبه بأنه في مقام الاصطفاء، وأن الكلام الذي سمعه كلام من قبل الله بدون واسطة متكلّم معتاد ولا في صورة المعتاد، كما دلّ عليه قوله بعد ذلك ) لنريك من آياتنا الكبرى ( ( طه : ٢٣ ).
فظاهر الاستفهام أنه سؤال عن شيء أشير إليه. وبُنيت الإشارة بالظرف المستقر وهو قوله ) بِيَمِينِكَ (، ووقع الظرف حالاً من اسم الإشارة، أي ما تلك حال كونها بيمينك ؟.
ففي هذا إيماء إلى أن السؤال عن أمر غريب في شأنها، ولذلك أجاب موسى عن هذا الاستفهام ببيان ماهية المسؤول عنه جرياً على الظاهر، وببيان بعض منافعها استقصاء لمراد السائل أن يكون قد سأل عن وجه اتخاذه العصا بيده لأنّ شأن الواضحات أن لا يسأل عنها إلاّ والسائل يريد من سؤاله أمراً غير ظاهر، ولذلك لما قال النبي ( ﷺ ) في خطبة حجّة الوداع :( أيُّ يوم هذا ؟ ) سكت النّاس وظنوا أنه سيسميه بغير اسمه. وفي رواية أنهم قالوا :( الله ورسوله أعلم، فقال : أليس يوم الجمعة ؟... ) إلى آخره.
فابتدأ موسى ببيان الماهية بأسلوب يؤذن بانكشاف حقيقة المسؤول عنه، وتوقع أن السؤال عنه توسل لتطلب بيان وراءه. فقال :( هِيَ عَصَايَ (، بذكر المسند إليه، مع أنّ غالب الاستعمال حذفه في مقام السؤال للاستغناء عن ذكره في الجواب بوقوعه مسؤولاً


الصفحة التالية
Icon