" صفحة رقم ٢٢٢ "
ومعنى ) جئتَ ( حضرتَ لدينا، وهو حضوره بالواد المقدّس لتلقي الوحي.
و ( على ) للاستعلاء المجازي بمعنى التمكن ؛ جعل مجيئه في الوقت الصالح للخير بمنزلة المستعلي على ذلك الوقت المتمكن منه.
والقدَر : تقدير الشيء على مقدار مناسب لما يريد المقدّر بحيث لم يكن على سبيل المصادفة، فيكون غير ملائم أو في ملاءَمتِه خلَل، قال النّابغة :
فريع قلبي وكانتْ نظرةً عرضت
يوماً وتوفيق أقدار لأقدار
أي موافقة ما كنتُ أرغبه.
فقوله ) ثم جئت على قدر يا موسى ( يفيد أنّ ما حصل لموسى من الأحوال كان مقدّراً من الله تقديراً مناسباً متدرجاً، بحيث تكون أعماله وأحواله قد قدّرها الله وحددها تحديداً منظماً لأجل اصطفائه وما أراد الله من إرساله، فالقدر هنا كناية عن العناية بتدبير إجراء أحواله على ما يسفر عن عاقبة الخير.
فهذا تقدير خاص، وهو العناية بتدرج أحواله إلى أن بلغ الموضع الذي كلّمه الله منه.
وليس المراد القَدر العام الذي قدّره الله لتكوين جميع الكائنات، فإن ذلك لا يُشعر بمزية لموسى عليه السلام. وقد انتبَه إلى هذا المعنى جرير بذوقه السليم فقال في مدح عمر بن عبد العزيز :
أتى الخلافة إذْ كانت له قَدراً
كما أتَى ربّه موسى على قَدَر
ومن هنا ختم الامتنان بما هو الفذلكة، وذلك جملة ) واصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ( الذي هو بمنزلة ردّ العجز على الصدر على قوله ) ولتصنع


الصفحة التالية
Icon