" صفحة رقم ٨٢ "
كما راجعه إبراهيم عليه السلام في قوم لوط، وكما راجعه محمد عليه الصلاة والسلام في فرض خمسين صلاة. ومعنى المحاورة أن ذلك يجر لها ضرّاً عظيماً إذ هي مخطوبة لرجل ولم يَبْننِ بها فكيف يتلقى الناس منها الإتيان بولد من غير أب معروف.
وقولها ولم أكُ بغيّاً ( تبرئة لنفسها من البغاء بما يقتضيه فعل الكون من تمكن الوصف الذي هو خبر الكون، والمقصود منه تأكيد النفي فمفاد قولها ) ولم أكُ بغيّاً ( غير مفاد قولها ) ولم يَمْسَسني بَشَر (، وهو مما زادت به هذه القصة على ما في قصتها في سورة آل عمران، لأن قصتها في سورة آل عمران نزلت بعد هذه فصح الاجتزاء في القصة بقولها ) ولم يَمْسَسني بَشَر ).
وقولها ) ولم يَمْسَسني بَشَر ( أي لم يَبْننِ بي زوج، لأنها كانت مخطوبة ومراكنة ليوسف النجار ولكنه لم يبن بها فإذا حملت بولد اتهمها خطيبها وأهلها بالزنى.
وأما قولها ) ولَمْ أكُ بَغِياً ( فهو نفي لأن تكون بغياً من قبل تلك الساعة، فلا ترضى بأن ترمى بالبغاء بعد ذلك. فالكلام كناية عن التنزه عن الوصم بالبغاء بقاعدة الاستصحاب، والمعنى : ما كنت بغيّاً فيما مضى أفأعدّ بغياً فيما يستقبل.
وللمفسرين في هذا المقام حيرة ذكرها الفخر والطيبي، وفيما ذكرنا مخرج من مأزِقها، وليس كلام مريم مسوقاً مساق الاستبعاد مثل قول زكرياء ) أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً ( ( مريم : ٨ ) لاختلاف الحالين لأن حال زكرياء حال راغب في حصول الولد، وحال مريم حال متشائم منه متبرىء من حصوله.
والبغِيّ : اسم للمرأة الزانية، ولذلك لم تتصل به هاء التأنيث، ووزنه فعيل أو فعول بمعنى فاعل فيكون أصله بَغوي. لأنه من


الصفحة التالية
Icon