" صفحة رقم ٩٢ "
وفي ( مسند أحمد ) عن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاصي :( أن النبي ( ﷺ ) أدرك رجلين وهما مقترنان. فقال : ما بالهما ؟ قالا : إنّا نذرنا لنقترنن حتى نأتي الكعبة، فقال : أطلقا أنفُسكما ليس هذا نذراً إنما النذر ما يبتغى به وجه الله ). وقال : إسناده حسن.
الرابع : أنّ الراوي لبعض هذه الآثار رواها بلفظ : نهى رسول الله عن ذلك، ولذلك قال مالك في ) الموطأ ) عقب حديث الرجل الذي نذر أن لا يستظل ولا يتكلم ولا يجلس :( قال مالك : قد أمره رسول الله أن يتمّ ما كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية ).
ووجه كونه معصية أنه جراءة على الله بأن يعبده بما لم يشرع له ولو لم يكن فيه حَرج على النفس كنذر صمت ساعة، وأنه تعذيب للنفس التي كرّمها الله تعالى من التعذيب بوجوه التعذيب إلا لعمل اعتبره الإسلام مصلحة للمرء في خاصته أو للأمة أو لدرْء مفسدة مثل القصاص والجَلد. ولذلك قال :( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ( ( النساء : ٢٩ ).
وقال النبي ( ﷺ ) ( إنّ دماءكم وأموالكم وأنفسكم وأبْشاركم عليكم حرام ) لأن شريعة الإسلام لا تُناط شرائعها إلاّ بجلب المصالح ودَرء المفاسد.
والمأخوذ من قول مالك في هذا أنه معصية كما قاله في ( الموطأ ). ولذلك قال الشيخ أبو محمد في ( الرسالة ) :( ومَن نذر معصية من قتل نفس أو شرب خمر أو نحوه أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا شيء عليه، وليستغفر الله )، فقوله :( وليستغفر الله ) بناء على أنه أتى بنذره مخالفاً لنهي النبي ( ﷺ ) عنه.


الصفحة التالية
Icon