" صفحة رقم ١٨٢ "
ولذلك فأنا أحسب هذه السورة نازلاً بعضها آخر مدة مُقام النبي ( ﷺ ) بمكة كما يقتضيه افتتاحها ب ) ياأيها الناس فقد تقرر أن ذلك الغالب في أساليب القرآن المكي، وأن بقيتها نزلت في مدة مُقام النبي بالمدينة.
وروى الترمذي وحسّنه وصححه عن ابن أبي عُمر، عن سفيان عن ابن جُدعان، عن الحسن، عن عِمران بن حصين أنه لما نزلت على النبي : ياأيها الناس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله : ولكن عذاب الله شديد ( ( الحج : ١ ٢ )، قال : أنزلت عليه هذه وهو في سفر ؟ فقال :( أتدرون... ) وساق حديثاً طويلاً. فاقتضى قوله : أنزلت عليه وهو في سفر ؟ أن هذه السورة أُنزلت على النبي ( ﷺ ) بعد الهجرة فإن أسفاره كانت في الغزوات ونحوها بعد الهجرة.
وفي رواية عنه أن ذلك السفر في غروة بني المصطلق من خزاعة وتلك الغزوة في سنة أربع أو خمس، فالظاهر من قوله ( أنزلت وهو في سفر ) أنّ عمران بن حصين لم يسمع الآية إلا يومئذ فظنها أنزلت يومئذ فإن عمران بن حصين ما أسلم إلاّ عام خَيبر وهو عام سبعة، أو أن أحد رواة الحديث أدرج كلمة ( أنزلت عليه وهو في سفر ) في كلام عِمران بن حصين ولم يقله عمران. ولذلك لا يوجد هذا اللفظ فيما روى الترمذي وحسّنه وصححه أيضاً عن محمد بن بشار، عن يحيي بن سعيد عن هشام بن أبي عبدالله عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حُصين قال : كنا مع النبي في سفر فرفع صوته بهاتين الآيتين :( ياأيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم إلى قوله : ولكن عذاب الله شديد ( ( الحج : ١ ٢ )