" صفحة رقم ١٨٩ "
والذهول : نسيان ما من شأنه أن لا يُنسى لوجود مقتضى تذكره ؛ إما لأنه حاضر أو لأن علمه جديد وإنما ينسى لشاغل عظيم عنه، فذكر لفظ الذهول هنا دون النسيان لأنه أدل على شدّة التشاغل. قاله شيخنا الجدّ الوزير قال : وشفقة الأم على الابن أشد من شفقة الأب، فشفقتها على الرضيع أشد من شفقتها على غيره. وكلّ ذلك يدل بدلالة الأوْلى على ذهول غيرها من النساء والرجال. وقد حصل من هذه الكناية دلالة على جميع لوازم شدّة الهول وليس يلزم في الكناية أن يصرح بجميع اللوازم لأن دلالة الكناية عقليّة وليست لفظية.
والتحقت هاء التأنيث بوصف ) مرضعة ( للدلالة على تقريب الوصف من معنى الفعل، فإن الفعل الذي لا يوصف بحدثه غير المرأة تَلحقه علامة التأنيث ليفاد بهذا التقريب أنها في حالة التلبّس بالإرضاع، كما يقال : هي ترضع. ولولا هذه النكتة لكان مقتضى الظاهر أن يقال : كلّ مرضع، لأن هذا الوصف من خصائص الأنثى فلا يحتاج معه إلى الهاء التي أصل وضعها للفرق بين المؤنث والمذكر خيفة اللبس. وهذا من دقائق مسائل نحاة الكوفة وقد تلقاها الجميع بالقبول ونظمها ابن مالك في أرجوزته ( الكافية ) بقوله :
وما من الصفات بالأنثى يخص
عن تاء استغنى لأنّ اللفظ نص
وحيث معنى الفعل تنوي التاء زد
كذي غدت مُرضعة طِفلاً وُلِد
والمراد : أن ذلك يحصل لكلّ مرضعة موجودة في آخر أيام الدنيا. فالمعنى الحقيقي مراد، فلم يقتض أن يكون الإرضاع واقعاً، فأطلق ذهول المرضع وذات الحمل وأريد ذهول كل ذي علق نفيس عن عِلقه على طريقة الكناية.
وزيادة كلمة ( كلّ ) للدلالة على أن هذا الذهول يعتري كل مرضع وليس هو لبعض المراضع باحتمال ضعف في ذاكرتها. ثمّ


الصفحة التالية
Icon