" صفحة رقم ٢٠٢ "
وجُعل انتفاء علم الإنسان عند أرذل العمر علة لردّه إلى أرذل العمر باعتبار أنه علّة غائية لذلك لأنه مما اقتضته حكمة الله في نظام الخلق فكان حصوله مقصوداً عند ردّ الإنسان إلى أرذل العمر، فإن ضعف القوى الجسمية يستتبع ضعف القوى العقلية. قال تعالى :( ومن نعمره ننكسه في الخلق ( ( يس : ٦٨ ) فالخلق يشمل كل ما هو من الخلقة ولا يختص بالجسم.
وقوله ) من بعد علم ( أي بعدما كان علمه فيما قبل أرذل العمر.
و ( مِن ) الداخلة على ( بعد ) هنا مزيدة للتأكيد على رأي الأخفش وابن مالك من عدم انحصار زيادة ( مِن ) في خصوص جرّ النكرة بعد نفي وشبهه، أو هي للابتداء عند الجمهور وهو ابتداء صُوري يساوي معنى التأكيد ولذلك لم يؤت ب ( من ) في قوله تعالى :( لكي لا يعلم بعد علم شيئاً في ( ( سورة النحل : ٧٠ ).
والآيتان بمعنى واحد فذكر ( مِن ) هنا تفنّن في سياق العبرتين.
و ) شيئاً ( واقع في سياق النفي يعم كل معلوم، أي لا يستفيد معلوماً جديداً. ولذلك مراتب في ضعف العقل بحسب توغله في أرذل العمر تبلغ إلى مرتبة انعدام قبوله لعلم جديد، وقبلها مراتب من الضعف متفاوتة كمرتبة نسيان الأشياء ومرتبة الاختلاط بين المعلومات وغير ذلك.
) وَتَرَى الاَْرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ).
عطف على جملة ) فإنا خلقناكم من تراب (، والخطاب لغير معيّن فيعم كل من يسمع هذا الكلام.