" صفحة رقم ٢١٨ "
فيحتمل أن يكون موقعها استئنافاً ابتدائياً أريد به ذكر فريق ثالث غير الفريقين المتقدمين في قوله تعالى :( ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ( ( الحج : ٨ ) الآية، وقوله :( ومن الناس من يعبد الله على حرف ( ( الحج : ١١ ). وهذا الفريق الثالث جماعة أسلموا واستبطأوا نصْر المسلمين فأيسوا منه وغاظهم تعجُّلهم للدخول في الإسلام وأن لم يتريثوا في ذلك وهؤلاء هم المنافقون.
ويحتمل أن يكون موقعها تذييلاً لقوله :( ومن الناس من يعبد الله على حرف ( ( الحج : ١١ ) الآية بعد أن اعتُرض بين تلك الجملة وبين هاته بجمل أخرى فيكون المراد : أن الفريق الذين يعبدون الله على حرف والمخبر عنهم بقوله :( خسر الدنيا والآخرة ( ( الحج : ١١ ) هم قوم يظنون أن الله لا ينصرهم في الدنيا ولا في الآخرة إنْ بقُوا على الإسلام.
فأما ظنهم انتفاء النصر في الدنيا فلأنهم قد أيسوا من النصر استبطاءً، وأما في الآخرة فلأنهم لا يؤمنون بالبعث ومن أجل هذا علق فعل ) لن ينصره ( بالمجرور بقوله ) في الدنيا والآخرة ( إيماء إلى كونه متعلق الخسران في قوله ) خسر الدنيا والآخرة ( ( الحج : ١١ ). فإن عدم النصر خسران في الدنيا بحصول ضده، وفي الآخرة باستحالة وقوع الجزاء في الآخرة حسب اعتقاد كفرهم، وهؤلاء مشركون مترددون.
ويترجح هذا الاحتمالُ بتغيير أسلوب الكلام، فلم يعطف بالواو كما عطف قوله ) ومن الناس من يعبد الله ( ( الحج : ١١ ) ولم تورد فيه جملة ) ومن الناس ( كما أوردت في ذكر الفريقين السابقين ويكون المقصود من الآية تهديد هذا الفريق. فيكون التعبير عن هذا الفريق بقوله ) من كان يظن ( الخ إظهاراً في مقام الإضمار ؛ فإن مقتضى الظاهر أن يؤتَى بضمير ذلك الفريق فيقالَ بعد قوله :( إن الله يفعل ما يريد ( ( الحج : ١٤ )،