" صفحة رقم ٢٦٩ "
وتعرض صورة أخرى وهي توزيع المقادير الكافية للانتفاع بها على أيام النحر الثلاثة بحيث لا يُتعجل بنحر جميع الهدايا في اليوم الأول طلباً لفضيلة المبادرة، فإن التقوى التي تصِل إلى الله من تلك الهدايا هي تسليمها للنفع بها.
وهذا قياس على أصل حفظ الأموال كما فرضوه في بيع الفَرس الحُبُس إذا أصابه ما يفضي به إلى الهلاك أو عدم النفع، وهي المعاوضة لِرَبْع الحبس إذا خرب.
وحكم الهدايا مركب من تعبّد وتعليل، ومعنى التعليل فيه أقوى، وعلّته انتفاع المسلمين، ومسلك العلّة الإيماء الذي في قوله تعال :( فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر ( ( الحج : ٣٦ ).
واعلم أن توهم التقرب بتلطيخ دماء القرابين وانتفاع المتقرب إليه بتلك الدماء عقيدة وثنية قديمة فربما كانوا يطرحون ما يتقربون به من لحم وطعام فلا يدَعون أحداً يأكله. وكان اليونان يشوون لحوم القرابين على النار حتى تصير رماداً ويتوهمون أنّ رائحة الشواء تسرّ الآلهة المتقرب إليها بالقرابين، وكان المصريُّون يُلقون الطعام للتماسيح التي في النيل لأنها مقدّسة.
وقرأ الجمهور ) يَنال، ويَناله ( بتحتية في أولهما. وقرأه يعقوب بفوقية على مراعاة ما يجوز في ضمير جمع غير العاقل. وربما كانوا يقذفون بمِزع من اللحم على أنها لله فربما أصابها محتاج وربما لم يتفطن لها فتأكلها السّباع أو تفسد.
ويشمل التقوى ذكر اسم الله عليها والتصدّق ببعضها على المحتاجين.
و ) يناله ( مشاكلة ل ) ينال ( الأول، استعير النيل لتعلّق العلم. شبه علم الله تقواهم بوصول الشيء المبعوث إلى الله تشبيهاً وجهّه الحصول في كلّ وحسنته المشاكلة.


الصفحة التالية
Icon