" صفحة رقم ١٤٣ "
فالذي أختاره أن يكون الفرض هنا بمعنى التعيين والتقدير كقوله تعالى :( نصيباً مفروضاً ( ( النساء : ٧ ) وقوله :( ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له ( ( الأحزاب : ٣٨ ). وتعدية فعل ( فرضنا ) إلى ضمير السورة من قبيل ما يعبر عنه في مسائل أصول الفقه من إضافة الأحكام إلى الأعيان بإرادة أحوالها، مثل ) حرمت عليكم الميتة ( ( المائدة : ٣ )، أي أكلها. فالمعنى : وفرضنا آياتها. وسنذكر قريباً ما يزيد هذا بياناً عند قوله تعالى :( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ( ( النور : ٣٤ ) وكيف قوبلت الصفات الثلاث المذكورة هنا بالصفات الثلاث المذكورة هنالك.
وقرأ الجمهور :( وفرضناها ( بتخفيف الراء بصيغة الفعل المجرد. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ) وفرّضناها ( بتشديد الراء للمبالغة مثل نزّل المشدّد. ونقل في حواشي ( الكشاف ) عن الزمخشري قوله :
كأنه عامل في دين سؤدده
بسورة أنزلت فيه وفُرّضَتِ
وهذان الحكمان وهما الإنزال والفرض ثبتا لجميع السورة.
وأما قوله :( أنزلنا فيها آيات بينات ( فهو تنويه آخر بهذه السورة تنويه بكل آية اشتملت عليها السورة : من الهدى إلى التوحيد، وحقية الإسلام، ومن حجج وتمثيل، وما في دلائل صنع الله على سعة قدرته وعلمه وحكمته، وهي ما أشار إليه قوله :( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين ( ( النور : ٣٤ ) وقوله :( ألم تر أن الله يزجي سحاباً ( إلى قوله :( صراط مستقيم ( ( النور : ٤٣ ٤٦ ).
ومن الآيات البينات التي أنزلت فيها إطلاع الله رسوله على دخائل المنافقين مما كتموه في نفوسهم من قوله :( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون إلى قوله : إن الله خبير بما تعلمون ( ( النور : ٤٨ ٥٣ ) فحصل التنويه بمجموع السورة ابتداء والتنويه بكل جزء منها ثانياً.
فالآيات جمع آية وهي قطعة من الكلام القرآني دالة على معنى مستقل وتقدم بيانها في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير.


الصفحة التالية
Icon