" صفحة رقم ١٥٣ "
كان يخرج من المدينة إلى مكة يحمل الأسرى فيأتي بهم إلى المدينة. وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها : عناق. وكانت خليلة له، وأنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة ليحمله. قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة. قال : فجاءت عناق فقالت : مرثد ؟ قلت : مرثد. قالت : مرحباً وأهلاً هلم فبت عندنا الليلة. قال فقلت : حرم الله الزنى. فقالت عناق : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، فتبعني ثمانية ( من المشركين ).. إلى أن قال : ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته ففككت عنه كبله حتى قدمت المدينة فأتيت رسول الله فقلت : يا رسول الله أنكح عناق ؟ فأمسك رسول الله فلم يرد عليَّ شيئاً حتى نزلت ) الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ( فقال رسول الله : يا مرثد لا تنكحها ).
فتبيّن أن هذه الآية نزلت جواباً عن سؤال مرثد بن أبي مرثد هل يتزوج عناق. ومثار ما يشكل ويعضل من معناها : أن النكاح هنا عقد التزوج كما جزم به المحققون من المفسرين مثل الزجاج والزمخشري وغيرهما. وأنا أرى لفظ النكاح لم يوضع ولم يستعمل إلا في عقد الزواج وما انبثق زعم أنه يطلق على الوطء إلا من تفسير بعض المفسرين قوله تعالى :( فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ( ( البقرة : ٢٣٠ ) بناء على اتفاق الفقهاء على أن مجرد العقد على المرأة بزوج لا يحلها لمن بَتَّها إلا إذا دخل بها الزوج الثاني. وفيه بحث طويل، ليس هذا محله.
وأنه لا تردد في أن هذه الآية نزلت بعد تحريم الزنى إذ كان تحريم الزنى من أول ما شرع من الأحكام في الإسلام كما في الآيات الكثيرة النازلة بمكة، وحسبك أن الأعشى عدّ تحريم الزنى في عداد ما جاء به