" صفحة رقم ١٦ "
فالأمانة تكون غالباً من النفائس التي يخشى صاحبها عليها التلف فيجعلها عند من يظن فيه حفظها، وفي الغالب يكون ذلك على انفراد بين المؤتمِننِ والأمين، فهي لنفاستها قد تغري الأمين عليها بأن لا يردها وبأن يجحدها ربها، ولكون دفعها في الغالب عَرِيّاً عن الإشهاد تبعث محبتها الأمينَ على التمسك بها وعدم ردها، فلذلك جعل الله ردّها من شعب الإيمان.
وقد جاء في الحديث عن حذيفة بن اليَمَان قال ( حدثنا رسول الله ( ﷺ ) أن الأمانة نزلت في جَذْرِ قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة )، وحدثنا عن رفعها قال :( ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فَيَظَلّ أثَرُها مثل أثر الوكْت ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المَجْل كجَمْرٍ دَحرجتَه على رِجلك فَنَفِطَ فتراه مُنْتَبِراً وليس فيه شيء فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل : ما أعقله وما أظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ) اه.
الوكت : سواد يكون في قِشر التمر. والمَجْل : انتفاخ في الجلد الرقيق يكون شبه قِشر العِنبة ينشأ من مس النار الجلدَ ومن كثْرة العمل باليد وقوله :( مثقال حبة خردل من إيمان ) هو مصدر آمنَه، أي ومَا في قرارة نفسه شيء من إيمان الناس إيَّاه فلا يأتمنه إلاّ مغرور.
وقد تقدم الكلام على الأمانة في قوله تعالى :( إن الله يأمركم أن تُؤَدوا الأماناتتِ إلى أهلها ( في سورة النساء ( ٥٨ ). وجمع ) الأمانات باعتبار تعدد أنواعها وتعدد القائمين بالحفظ تنصيصاً على العموم.
وقرأ الجمهور : لأماناتهم ( بصيغة الجمع، وقرأه ابن كثير ) لأمانتهم ( بالإفراد باعتبار المصدر مثل ) الذين هم في صَلاتهم خاشعون ( ( المؤمنون : ٢ ).


الصفحة التالية
Icon