" صفحة رقم ١٩٣ "
و ) الحق ( من أسماء الله الحسنى. ولما وصف بالمصدر زيد وصف المصدر ب ) المبين ). والمبين : اسم فاعل من أبان الذي يستعمل متعدياً بمعنى أظهر على أصل معنى إفادة الهمزة التعدية، ويستعمل بمعنى بان، أي ظهر على اعتبار الهمزة زائدة، فلك أن تجعله وصفاً ل ) الحق ( بمعنى العدل كما صرح به في ( الكشاف )، أي الحق الواضح. ولك أن تجعله وصفاً لله تعالى بمعنى أن الله مبيَّن وهاد. وإلى هذا نحا القرطبي وابن برَّجان، فقد أثبتا في عداد أسمائه تعالى اسم ) المبين ).
فإن كان وصف الله ب ) الحق ( بالمعنى المصدري فالحصر المستفاد من ضمير الفصل ادعائي لعدم الاعداد ب ) الحق ( الذي يصدر من غيره من الحاكمين لأنه وإن يصادف المحز فهو مع ذلك معرض للزوال وللتقصير وللخطأ فكأنه ليس بحق أو ليس بمبين. وإن كان الخبر عن الله بأنه ) الحق ( بالمعنى الاسمي لله تعالى فالحصر حقيقي إذ ليس اسم الحق مسمى به غير ذات الله تعالى، فالمعنى : أن الله هو صاحب هذا الاسم كقوله تعالى :( هل تعلم له سميّاً ( ( مريم : ٦٥ ). وعلى هذين الوجهين يجري الكلام في وصَفه تعالى ب ) المبين ).
ومعنى كونهم يعلمون أن الله هو الحق المبين : أنهم يتحققون ذلك يومئذ بعلم قطعي لا يقبل الخفاء ولا التردد وإن كانوا عالمين ذلك من قبل لأن الكلام جار في موعظة المؤمنين ؛ ولكن نزل علمهم المحتاج للنظر والمعرض للخفاء والغفلة منزلة عدم العلم.
ويجوز أن يكون المراد ب ) الذين يرمون المحصنات الغافلات ( خصوص عبد الله بن أبي بن سلول ومن يتصل به من المنافقين المبطنين الكفر بله الإصرار على ذنب الإفك إذ لا توبة لهم فهم مستمرون على الإفك فيما بينهم لأنه زُين عند أنفسهم، فلم يروموا الإقلاع عنه في بواطنهم مع علمهم بأنه اختلاق منهم ؛ لكنهم لخبث طواياهم يجعلون الشك الذي خالج أنفسهم بمنزلة اليقين فهم ملعونون عند الله في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم في الآخرة ويعلمون أن الله هو الحق المبين فيما كذبهم فيه من حديث الإفك وقد كانوا من قبل