" صفحة رقم ٢٣ "
ف ) نطفةً ( مَنصُوبٌ على الحال وقوله :( في قرار مكين ( هو المفعول الثاني ل ) جعلناه ). و ) ثم ( للترتيب الرتبي لأن ذلك الجعل أعظم من خلق السلالة. فضمير ) جعلناه ( عائد إلى الإنسان باعتبار أنه من السلالة، فالمعنى : جعلنا السلالة في قرار مكين، أي وضعناها فيه حفظاً لها، ولذلك غُير في الآية التعبير عن فعل الخلق إلى فعل الجعل المتعدي ب ( في ) بمعنى الوضع.
والقرار في الأصل : مصدر قَرّ إذا ثبت في مكانه، وقد سمي به هنا المكان نفسُه. والمكين : الثابت في المكان بحيث لا يقلع من مكانه، فمقتضى الظاهر أن يوصف بالمكين الشيءُ الحالّ في المكان الثابت فيه. وقد وقع هنا وصفاً لنفس المكان الذي استقرت فيه النطفة، على طريقة المجاز العقلي للمبالغة، وحقيقتُه مكين حالُّه، وقد تقدم قوله تعالى :( أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ( في سورة الكهف ( ٣٧ ) وقوله :( فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة في سورة الحج ( ٥ ).
ويجوز أن يراد بالإنسان في قوله : ولقد خلقنا الإنسان ( آدم. وقال بذلك قتادة فتكون السّلالة الطينَةَ الخاصةَ التي كوّن الله منها آدم وهي الصلصال الذي ميزه من الطين في مبدإ الخليقة، فتلك الطينة مسْلولة سلاّ خاصّاً من الطين ليتكوّن منها حيٌّ، وعليه فضمير ) جعلناه نطفة ( على هذا الوجه عائد إلى الإنسان باعتبار كونه نسلاً لآدم فيكون في الضمير استخدام، ويكون معنى هذه الآية كمعنى قوله تعالى :( وبدَأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ( ( السجدة : ٧، ٨ ).
وحرف ( ثم ) في قوله :( ثم خلقنا النطفة علقة ( للترتيب الرتْبي إذ كان خلق النطفة علقة أعجبَ من خلق النطفة إذ قد صُير الماء السائل دَماً جامداً فتغير بالكثافة وتبدل اللون من عواملَ أودعها الله في الرحم.
ومن إعجاز القرآن العلمي تسمية هذا الكائن باسم العلَقة فإنه وضْع بديع لهذا الاسم إذ قد ثبت في علم التشريح أن هذا الجزء الذي استحالت


الصفحة التالية
Icon