" صفحة رقم ٢٣٣ "
السهروردي في أول كتابه ( هياكل النور ) بقوله :( يا قيوم أيِّدنا بالنور وثبتنا على النور واحشرنا إلى النور ) كما بينه جلال الدين الدواني في ( شرحه ).
ونلحق بهذه المعاني اطلاق النور على الإرشاد إلى الأعمال الصالحة وهو الهدي.
وقد ورد في آيات من القرآن إطلاق النور على ما هو أعم من الهدي كما في قوله تعالى :( إنا أنزلنا التوراة فيها هُدًى ونور ( ( المائدة : ٤٤ ) وقوله :( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً وهدى للناس ( ( الأنعام : ٩١ ) فعطف أحد اللفظين على الآخر مشعر بالمغايرة بينهما. وليس شيء من معاني لفظ النور الوارد في هذه الآيات بصالح لأن يكون هو الذي جعل وصفاً لله تعالى لا حقيقة ولا مجازاً فتعين أن لفظ ( نور ) في قوله :( مثل نوره كمشكاة ( غير المراد بلفظ نور في قوله :( الله نور السماوات والأرض ( فالنور لفظ مشترك استعمل في معنى وتارة أخرى في معنى آخر.
فأحسن ما يفسر به قوله تعالى :( الله نور السماوات والأرض ( أن الله موجد كل ما يعبر عنه بالنور وخاصة أسباب المعرفة الحق والحجة القائمة والمرشد إلى الأعمال الصالحة التي بها حسن العاقبة في العالَمَيْن العلوي والسفلي، وهو من استعمال المشترك في معانيه.
ويجوز أن يراد بالسماوات والأرض من فيهما من باب :( واسأل القرية ( ( يوسف : ٨٢ ) وهو أبلغ من ذكر المضاف المحذوف لأن في هذا الحذف إيهام أن السماوات والأرض قابلة لهذا النور كما أن القرية نفسها تشهد بما يسأل منها، وذلك أبلغ في الدلالة على الإحاطة بالمقصود وألطف دلالة. فيشمل تلقين العقيدة الحق والهداية إلى الصلاح ؛ فأما هداية البشر إلى الخير والصلاح فظاهرة، وأما هداية الملائكة إلى ذلك فبأن خلقهم الله على فطرة الصلاح والخير. وبأن أمرهم بتسخير القوى للخير، وبأن أمر بعضهم بإبلاغ الهدى بتبليغ الشرائع وإلهام القلوب الصالحة إلى الصلاح وكانت تلك مظاهر هدى لهم وبهم.