" صفحة رقم ٢٩ "
والقدَر هنا : التقدير والتعيين للمقدار في الكَمّ وفي النَّوبة، فيصح أن يحمل على صريحه، أي بمقدار معيَّن مُناسب للإنعام به لأنه إذا أنزل كذلك حصل به الري والتعاقب، وكذلكَ ذَوَبان الثلوج النازلة. ويصح أن يقصد مع ذلك الكناية عن الضبط والإتقان. وليس المراد بالقَدَر هنا المعنى الذي في قول النبي ( ﷺ ) ( وتؤمن بالقَدر خيرِه وشره ).
والإسكان : جعل الشيء في مسكن، والمسكن : محل القرار، وهو مفعل اسم مكان مشتق من السكون.
وأطلق الإسكان على الإقرار في الأرض على طريق الاستعارة. وهذا الإقرار على نوعين : إقرار قصير مثل إقرار ماء المطر في القشرة الظاهرة من الأرض عقب نزول الأمطار على حسب ما تقتضيه غزارة المطر ورخاوة الأرض وشدةُ الحرارة أو شدةُ البرد، وهو ما ينبت به النبات في الحرث والبقل في الربيع وتمتص منه الأشجار بعروقها فتثمر إثمارها وتخرج به عروق الأشجار وأصولها من البزور التي في الأرض.
ونوع آخر هو إقرار طويل وهو إقرار المياه التي تنزل من المطر وعن ذوب الثلوج النازلة فتتسرب إلى دواخل الأرض فتنشأ منها العيون التي تنبع بنفسها أو تُفَجَّر بالحفر آباراً.
وجملة ) وإنا على ذهاب به لقادرون ( معتَرضة بين الجملة وما تفرع عليها. وفي هذا تذكير بأن قدرة الله تعالى صالحة للإيجاد والإعدام
وتنكير ) ذهاب ( للتفخيممِ والتعظيم. ومعنى التعظيم هنا تعدد أحوال الذهاب به من تغويره إلى أعماق الأرض بانشقاق الأرض بزلزال ونحوه، ومن تجفيفه بشدة الحرارة، ومن إمساك إنزاله زمناً طويلاً.
وفي معناه قوله تعالى :( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمَن يأتيكم بماء معين ( ( الملك : ٣٠ )، وفي ( الكشاف ) :( وهو ( أي ما في هاته الآية ) أبلغ في الإيعاد


الصفحة التالية
Icon