" صفحة رقم ٣٢١ "
يقتضي تحقق ماهيته. وأما نحو قول امرىء القيس :
على لاحب لا يهتدي بمناره
يريد لا منار فيه. وقول ابن أحمر :
لا تُفزع الأرنبَ أهوالُها
ولا ترى الضبّ بها ينجحر
أراد : أنها لا أرنب فيها ولا ضب. فهو من قبيل التلميح.
ذُكر في هذه الآية من أقوالهم المقابلة للجمل الموصوف بها الله تعالى اهتماماً بإبطال كفرهم المتعلق بصفات الله لأن ذلك أصل الكفر ومادته.
واعلم أن معنى :( وهم يخلقون ( وهم يُصنعون، أي يصنعهم الصانعون لأن أصنامهم كلها حجارة منحوتة فقد قومتها الصنعة، فأطلق الخلق على التشكيل والنحت من فعل الناس، وإن كان الخلق شاع في الإيجاد بعد العدم ؛ إما اعتباراً بأصل مادة الخلق وهو تقدير مقدار الجلد قبل فريه كما قال زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبع
ضُ الناس يخلق ثم لا يفري
فأطلق الخلق على النحت ؛ إما على سبيل المجاز المرسل، وإما مشاكلة لقوله :( لا يخلقون شيئاً ).
والمِلك في قوله :( لا يملكون ( مستعمل في معنى القدرة والاستطاعة كما تقدم في قوله تعالى :( قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم في سورة العقود ( ١٧ )، وقوله فيها : قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً ( ( المائدة : ٧٦ )، أي من لا يقدر على ضركم ولا نفعكم. فقوله هنا :( لأنفسهم ( متعلق ب ) يملكون (، واللام فيه لام التعليل، أي لا يملكون لأجل أنفسهم، أي لفائدتها.
ثم إن المراد ب ) أنفسهم ( يجوز أن يكون الجمع فيه باعتبار التوزيع على الآحاد المفادة بضمير ) يملكون (، أي لا يملك كل واحد لنفسه ضراً ولا نفعاً، ويكون المراد بالضر دفعه على تقدير مضاف دل عليه المقام لأن


الصفحة التالية
Icon