" صفحة رقم ٣٤٣ "
( هذه الآية مكررة :
) وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاَْسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ). )
هذا رد على قولهم :( مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( ( الفرقان : ٧ ) بعد أن رد عليهم قولهم ) أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها ( ( الفرقان : ٨ ) بقوله :( تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك ( ( الفرقان : ١٠ )، ولكن لما كان قولهم :( أو يلقى إليه كنز ( حالة لم تعط للرسل في الحياة الدنيا كان رد قولهم فيها بأن الله أعطاه خيراً من ذلك في الآخرة.
وأما قولهم :( مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ( فقد توسلوا به إلى إبطال رسالته بثبوت صفات البشر له، فكان الرد عليهم بأن جميع الرسل كانوا متصفين بصفات البشر، ولم يكن المشركون منكرين وجود رسل قبل محمد ( ﷺ ) فقد قالوا :( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ( ( الأنبياء : ٥ )، وإذ كانوا موجودين فبالضرورة كانوا يأكلون الطعام إذ هم من البشر ويمشون في أسواق المدن والبادية لأن الدعوة تكون في مجامع الناس. وقد قال موسى ) موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ( ( طه : ٥٩ ). وكان النبي ( ﷺ ) يدعو قريشاً في مجامعهم ونواديهم ويدعو سائر العرب في عكاظ وفي أيام الموسم.
وجملة :( ليأكلون الطعام ( في موضع الحال لأن المستثنى منه عموم الأحوال. والتقدير : وما أرسلنا قبلك من المرسلين في حاللٍ إلا في حال ) إنهم ليأكلون الطعام ). والتوكيد ب ( إن ) واللام لتحقيق وقوع الحال تنزيلاً للمشركين في تناسيهم أحوال الرسل منزلة من ينكر أن يكون الرسل السابقون يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. ولم تقترن جملة الحال بالواو لأن وجود أداة الاستثناء كاف في الربط ولا سيما وقد تأكد الربط بحرف التوكيد فلا يزاد حرف آخر فيتوالى أربعة حروف وهي : إلاّ، وإنّ، واللام، ويزاد الواو بخلاف قوله تعالى :( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( ( الحجر : ٤ )، وقوله :( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ( ( الشعراء : ٢٠٨ ).
وإنما أبقى الله الرسل على الحالة المعتادة للبشر فيما يرجع إلى أسباب الحياة المادية إذ لا حكمة في تغيير حالهم عن ذلك وإنما يغير الله حياتهم


الصفحة التالية
Icon