" صفحة رقم ٣٨ "
والتعبير بالمضارع في قوله :( تخرج من طور سيناء ( لاستحضار الصورة العجيبة المهمة التي كونت بها تلك الشجرة في أول تكوينها حتى كأن السامع يبصرها خارجة بالنبات في طور سيناء، وذلك كقوله :( وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير ( ( المائدة : ١١٠ )، وهذا أنسب بالوجه الأول في تفسير معنى ) تخرج من طور سيناء ).
ومعنى ) تنبت بالدهن ( أنها تنبت ملابسة للدهن فالباء للملابسة.
وهذه الآية مثال لباء الملابسة، والملابسة معنى واسع، فملابسة نبات شجرة الزيتون للدهن والصبْغ ملابسة بواسطة ملابسة ثمرتها للدهن والصبغ، فإن ثمرتها تشتمل على الزيت وهو يكون دهناً وصبغاً للآكلين، فأما كونه دهناً، فهو أنه يدهن به الناس أجسادهم ويرجِّلون به شعورهم ويجعلون فيه عطوراً فيرجلون به الشعور، وقد كان النبي ( ﷺ ) يدَّهن بالزيت في رأسه.
والدّهن بضم الدال : اسم لما يدهن به، أي يطلَى به شيء، ويطلق الدهن على الزيت باعتبار أنه يُطلَى به الجسد للتداوي والشَّعَر للترجيل.
والصِّبغ، بكسر الصَّاد : ما يصبغ به أي يُغير به اللَّون. ثم تُوسع في إطلاقه على كل مائع يطلى به ظاهر جسم مَّا، ومنه قوله تعالى :( صبْغةَ الله ( ( البقرة : ١٣٨ ). وسمي الزيت صبغاً لأنه يصبغ به الخبز. وعَطفُ ) صِبغ ( على ) الدهن ( باعتبار المغايرة في ما تدل عليه مادّة اشتقاق الوصف فإن الصبغ ما يصبغ به والدهن ما يدهن به والصبغ أخص ؛ فهو من باب عطف الخاص على العام للاهتمام، وكانوا يأدِمون به الطعام وذلك صبغ للطعام، أخرج الترمذي في ( سننه ) عن عمر بن الخطاب وعن أبي أُسيد أن النبي ( ﷺ ) قال :( كُلُوا الزيت وادّهنوا به فإنه من شجرة مباركة ).
وقرأ الجمهور ) تَنبُت ( بفتح التاء وضَم الموحدة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورُويس ويعقوب بضم التاء وكسر الموحدة على لغة من يقول :


الصفحة التالية
Icon