" صفحة رقم ٤٢ "
بهذا الرد على نوح، وهو تعريض بأن مثل ذلك الرد لا نُهوض له ولكنهم روّجُوا به كفرهم خشية على زوال سيادتهم.
وقوله :( من قومه ( صفة ثانية.
وقول الملأ من قومه :( ما هذا إلاّ بشر مثلكم ( خاطب به بعْضُهُم بعضاً إذ الملأ هم القوم ذوو السيادة والشَّارة، أي فقال عظماء القوم لعامتهم.
وإخبارهم بأنه بشر مثلهم مستعمل كناية عن تكذيبه في دعوى الرسالة بدليللٍ من ذاته، أوهموهم أن المساواة في البشرية مانعة من الوساطة بين الله وبين خلقه، وهذا من الأوهام التي أضلت أمما كثيرة. واسم الإشارة منصرف إلى نوح وهو يقتضي أن كلام الملإ وقع بحضرة نوح في وقت دعوته، فعدلوا من اسمه العلم إلى الإشارة لأن مقصودهم تصغير أمره وتحقيره لدى عامتهم كيلا يتقبلوا قوله، وقد تقدم نظير هذا في سورة هود.
وزادت هذه القصة بحكاية قولهم :( يُريد أن يتفضل عليكم ( فإن سادة القوم ظنوا أنه ما جاء بتلك الدعوة إلاّ حباً في أن يَسُود على قومهم فَخَشُوا أن تزول سيادتهم وهم بجهلهم لا يتدبرون أحوال النفوس ولا ينظرون مصالح الناس ولكنهم يقيسون غيرهم على مقياس أنفسهم.
فلما كانت مطامح أنفسهم حبّ الرئاسة والتوسل إليها بالانتصاب لخدمة الأصنام توهموا أن الذي جاء بإبطال عبادة الأصنام إنما أراد منازعتهم سلطانهم.
والتفضل : تكلف الفَضل وطلبه، والفضل أصله الزيادة ثم شاع في زيادة الشرف والرفعة، أي يريد أن يكون أفضل الناس لأنه نسبهم كلهم إلى الضلال.
وقولهم :( ولو شاء الله لأنزل ملائكة ( عطف على جملة ) ما هذا إلاّ بشر مثلكم ( بعد أن مهدوا له بأن البشرية مانعة من أن يكون صاحبها رسولاً لله، وحذف مفعول فعل المشيئة لظهوره من جواب ( لو )، أي لو شاء الله إرسال


الصفحة التالية
Icon