" صفحة رقم ٥٢ "
وقد حكى الله في آيات أخرى عن قوم هود وعن قوم صالح أنهم أجابوا دعوة رسولهم بالرد والزجر كقول قوم هود ) قالوا يا هود ما جئتنا بِبَيِّنَة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ( ( هود : ٥٣، ٥٤ )، وقول قوم صالح ) قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ( ( هود : ٦٢ ).
وقولُه ) وقال الملأ من قومه الذين كفروا ( ) الذين كفروا ( نعت ثان ل ) الملأ ( فيكون على وزان قوله في قصة نوح ) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ( ( المؤمنون : ٢٤ ). وإنما أخر النعت هنا ليتصل به الصفتان المعطوفتان من قوله :( وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم ).
واللقاء : حضور أحد عند آخر. والمراد لقاء الله تعالى للحساب كقوله تعالى :( واعلموا أنكم ملاقوه في سورة البقرة ( ٢٢٣ ) وعند قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا لَقِيتُم فِئَةً فاثبتوا ( في سورة الأنفال ( ٤٥ ).
وإضافة ) لقاء ( إلى ) الآخرة ( على معنى ( في ) أي اللقاء في الآخرة.
والإتراف : جعلهم أصحاب ترف. والترف : النعمة الواسعة. وقد تقدم عند قوله :( وارْجِعُوا إلى ما أترِفْتم فيه ( في سورة الأنبياء ( ١٣ ).
وفي هذين الوصفين إيماء إلى أنهما الباعث على تكذيبهم رسولَهم لأن تكذيبهم بلقاء الآخرة ينفي عنهم توقع المؤاخذة بعد الموت، وثروتهم ونعمتهم تغريهم بالكبر والصلف إذ ألِفوا أن يكونوا سادة لا تبعاً، قال تعالى :( وذَرْني والمكذّبين أولي النعمة ( ( المزمل : ١١ )، ولذلك لم يتقبلوا ما دعاهم إليه رسولهم من اتقاء عذاب يوم البعث وطلبهم النجاة باتباعهم ما يأمرهم به فقال بعضهم لبعض ) ولئن أطَعْتُم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون أيَعِدُكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مُخْرَجون ).
و ) ما هذا إلا بشر مثلكم ( كناية عن تكذيبه في دعوى الرسالة لتوهمهم أن البشرية تنافي أن يكون صاحبها رسولاً من الله فأتوا بالملزوم وأرادوا لازمه.


الصفحة التالية
Icon