" صفحة رقم ٦٢ "
واعلم أن كلمة ) تترى ( كتبت في المصاحف كلها بصورة الألف في آخرها على صورة الألف الأصليَّة مع أنها في قراءة الجمهور ألف تأنيث مقصورة وشأن ألف التأنيث المقصورة أن تكتب بصورة الياء مثل تقوى ودعوى، فلعل كتَّاب المصاحف راعوا كلتا القراءتين فكتبوا الألف بصورتها الأصليَّة لصلوحيَّة نطق القارىء على كلتا القراءتين. على أن أصل الألف أن تكتب بصورتها الأصليَّة، وأما كتابتها في صورة الياء حيث تكتب كذلك فهو إشارة إلى أصلها أو جواز إمالتها فخولف ذلك في هذه اللفظة لدفع اللبس.
ومعنى الآية : ثم بعد تلك القرون أرسلنا رسلاً، أي أرسلناهم إلى أمم أخرى، لأن إرسال الرسول يستلزم وجود أمة وقد صرح به في قوله ) كلما جاء أمة رسولُها كذبوه ). والمعنى : كذبه جمهورهم وربما كذبه جميعهم.
وفي حديث ابن عباس عند مسلم أن رسول الله ( ﷺ ) قال :( عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد... ) الحديث.
وإتباع بعضهم بعضاً إلحاقهم بهم في الهلاك بقرينة المقام وبقرينة قوله ) وجعلناهم أحاديث (، أي صيَّرناهم أحدوثات يتحدث الناس بما أصابهم. وإنما يتحدث الناس بالشيء الغريب النادر مثله. والأحاديث هنا جمع أحدوثة، وهي اسم لما يتلهى الناس بالحديث عنه. ووزن الأفعولة يدل على ذلك مثل الأعجوبة والأسطورة.
وهو كناية عن إبادتهم، فالمعنى : جعلناهم أحاديث بائدين غير مبصَرين.
والقول في ) فبعداً لقوم لا يؤمنون ( مثل الكلام على ) فبعداً للقوم الظالمين ( ( المؤمنون : ٤١ ) ؛ إلا أن الدعاء نيط هنا بوصف أنهم لا يؤمنون ليحصل من مجموع الدعوتين التنبيه على مذمة الكفر وعلى مذمة عدم الإيمان بالرسل تعريضاً