" صفحة رقم ١٠١ "
للإمكان فكان في آية الإنبات تنبيه على إبطال أصلي عدم إيمانهم وهما : أصل الإشراك بالله، وأصل إنكار البعث.
والاستفهام إنكار على عدم رؤيتهم ذلك لأن دلالة الإنبات على الصانع الواحد دلالة بينة لكل من يراه ؛ فلما لم ينتفعوا بتلك الرؤية نزلت رؤيتهم منزلة العدم فأنكر عليهم ذلك. والمقصود : إنكار عدم الاستدلال به.
وجملة :( كم أنبتنا ( بَدل اشتمال من جملة ) يروا ( فهي مصبّ الإنكار. وقوله :( إلى الأرض ( متعلق بفعل ) يروا (، أي ألم ينظروا إلى الأرض وهي بمرأى منهم.
و ) كم ( اسم دال على الكثرة، وهي هنا خبرية منصوبة ب ) أنبتنا ). والتقدير : أنبتنا فيها كثيراً من كل زوج كريم.
و ) مِن ( تبعيضية. ومورد التكثير الذي أفادته ) كم ( هو كثرة الإنبات في أمكنة كثيرة، ومورد الشمول المفاد من ) كل ( هو أنواع النبات وأصنافه وفي الأمرين دلالة على دقيق الصنع. واستغني بذكر أبعاض كل زوج عن ذكر مميز ) كم ( لأنه قد عُلم من التبعيض.
والزوج : النوع، وشاع إطلاق الزوج على النوع في غير الحيوان قال تعالى :( ومن كل الثمرات جَعَلَ فيها زوجَيْن اثنين ( على أحد احتمالين تقدما في سورة الرعد ( ٣ )، وتقدم قوله تعالى :( فأخرجنا به أزواجاً من نبات شَتى في طَه ( ٥٣ ).
والكريم : النفيس من نوعه قال تعالى : ورزق كريم ( في الأنفال ( ٤ )، وتقدم عند قوله تعالى :( مَرُّوا كِرَاماً في سورة الفرقان ( ٧٢ ). وهذا من إدْماج الامتنان في ضمن الاستدلال لأن الاستدلال على بديع الصنع يحصل بالنظر في إنبات الكريم وغيرِه. ففي الاستدلال بإنبات الكريم من ذلك وفاءٌ بغرض الامتنان مع عدم فوات الاستدلال. وأيضاً فنظر الناس في الأنواع الكريمة أنفذُ وأشهرُ لأنه يبتدىء بطلب المنفعة منها والإعجاب بها فإذا تطلبها وقع في الاستدلال فيكون الاقتصار على الاستدلال بها في الآية من قبيل التذكير للمشركين بما هم ممارسون له وراغبون فيه.


الصفحة التالية
Icon