" صفحة رقم ١٢١ "
هاذين الوجهين ما بين الحالين وضمير ( بينهما ) للمشرق والمغرب فكأنه قيل وما بين المشرق والمغرب وما بين المغرب والمشرق، أي ما يقع في خلال ذلك من الأحوال، فأما ما بين الشروق والغروب فالضحى والزوال والعصر والاصفرار، وأما ما بين الغروب والشروق فالشفق والفجر والإسفار كلها دلائل على تكوين ذلك النظام العجيب المتقن.
وقيل المراد برب المشرق والمغرب مالك الجهتين. وهذا التفسير يفيت مناسبة الكلام لمقام الاستدلال بعظيم ولا يلاقي التذييل الواقع بعده في قوله :( إن كنتم تعقلون ).
وتانك الجهتان هما منتهى الأرض المعروفة للناس يومئذ فكأنه قيل : ربّ طرَفي الأرض، وهو كناية عن كون جميع الأرض ملكاً لله. وهذا استدلال عرفي إذ لم يكونوا يعرفون يومئذ مَلِكاً يملك ما بين المشرق والمغرب، وما كان مُلك فرعون المؤلّه عندهم إلا لبلاد مصر والسودان.
والتذييل بجملة :( إن كنتم تعقلون ( تنبيه لنظرهم العقلي ليعاودوا النظر فيدركوا وجه الاستدلال، أي إن كنتم تُعملون عقولكم، ومن اللطائف جعل ذلك مقابل قول فرعون : إن رسولكم لمجنون، لأن الجنون يقابله العقل فكان موسى يقول لهم قولاً ليناً ابتداء، فلما رأى منهم المكابرة ووصفوه بالجنون خاشنهم في القول وعارض قول فرعون ) إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون ( ( الشعراء : ٢٧ ) فقال :( إن كنتم تعقلون ( أي إن كنتم أنتم العقلاء، أي فلا تكونوا أنتم المجانين، وهذا كقول أبي تمام للذَيْن قالا له :( لِم تقول ما لا يُفهم ) قال :( لم لا تفهمان ما يقال ).
) ) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَاهَاً غَيْرِى لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ).
لمّا لم يجد فرعون لحجاجه نجاحاً ورأى شدة شكيمة موسى في الحق عدل عن الحجاج إلى التخويف ليقطع دعوة موسى من أصلها. وهذا شأن من قهرته الحجة، وفيه كبرياء أن ينصرف عن الجدل إلى التهديد.
واللام في قوله :( لئن اتخذت إلاهاً ( موطئة للقسم. والمعنى أن فرعون أكد وعيده بما يساوي اليمين المجملة التي تؤذن بها اللام الموطئة في اللغة العربية كأن


الصفحة التالية
Icon