" صفحة رقم ١٥٤ "
أي حين لا ارتجاع له.
والتسوية : المعادَلة والمماثلة، أي إذ نجعلكم مثل ربّ العالمين، فالظاهر أنهم جعلوهم مثله مع الاعتراف بالإلهية وهو ظاهر حال إشراكهم كما تقدم في قوله :( فإنهم عدوٌّ لي إلا ربَّ العالمين ( ( الشعراء : ٧٧ )، ويحتمل أنهم جعلوه مثله فيما تبين لهم من إلهيته يومئذ إذ كانوا لا يؤمنون بالله أصلاً في الدنيا فهي تسوية بالمآل وقد آبوا إلى الاعتراف بما تضمنته كلمة إبراهيم لهم في الدنيا إذ قال لهم ) فإنهم عدوٌّ لي إلا رب العالمين ( ( الشعراء : ٧٧ ).
وضمير الخطاب في ) نسويكم ( موجه إلى الأصنام، وهو من توجيه المتندم الخطابَ إلى الشيء الذي لا يعقل وكان سبباً في الأمر الذي جرّ إليه الندامة بتنزيله منزلة من يعقل ويسمع. والمقصود من ذلك المبالغة في توبيخ نفسه. ومنه ما روى الغزالي في ( الإحياء ) : أن عمر بن الخطاب دخل على أبي بكر الصديق فوجده ممسكاً بلسانه بأصبعيه وهو يقول : أنتَ أوردتَني الموارد. وعن ابن مسعود أنه وقف على الصفا يلبّي ويقول : يا لسانُ قل خيراً تغْنَم واسكت عن شر تسلمَ. وهذا أسلوب متّبع في الكلام نثراً ونظماً قال أبو تمام :
فيا دمعُ أنجدْني على سَاكني نجد
وصيغ ) نسويكم ( في صيغة المضارع لاستحضار الصورة العجيبة حين يتوجهون إلى الأصنام بالدعاء والنعوت الإلهية.
وقولهم :( وما أضلنا إلا المجرمون ( خطاب بعض العامة لبعض. وعنَوا بالمجرمين أيمة الكفر الذين ابتدعوا لهم الشرك واختلقوا لهم ديناً.
والمناسب أن يكون التعريف في ) المجرمون ( مستعملاً في كَمال الإجرام فإن من معاني اللام أن تدل على معنى الكمال.
ورتبوا بالفاء انتفاء الشافعين على جملة :( وما أضلنا إلا المجرمون ( حيث أطمعوهم بشفاعة الأصنام لهم عند الله مثل المشركين من العرب ) ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ( ( يونس : ١٨ ) فتبيّن لهم أن لا شفاعة لها، وهذا الخبر مستعمل في التحسر والتوجع.


الصفحة التالية
Icon