" صفحة رقم ١٦١ "
والمعنى : أي شيء علمي بما كانوا يعملون حتى اشتغلَ بتحصيل علم ما كانوا يعملون وأعمالهم بما يناسب مراتبهم فأنا لا أهتم بما قبلَ إيمانهم.
وضُمن ) علمي ( معنى اشتغالي واهتمامي فعُدّي بالباء.
و ) ما كانوا يعملون ( موصول مَا صدقه الحالة لأن الحالة لا تخلو من عمل. فالمعنى : وما علمي بأعمالهم. وهذا كما يقال في السؤال عن أحد : ماذا فعل فلان ؟ أي ما خبره وما حاله ؟ ومنه قول النبي ( ﷺ ) للصبي الأنصاري :( يا أبا عمير ما فعل النغير ) لطائر يسمى النُغَر ( بوزن صُرد ) وهو من نوع البلبل كان عند الصبي يلعب به، ومنه قوله لمن سأله عن الذين ماتوا من صبيان المشركين :( الله أعلم بما كانوا عاملين ) أي الله أعلم بحالهم، فهو إمساك عن الجواب. وقريب منه قول العرب : ما بَالُه، أي ما حاله ؟.
وفعل ) كانوا ( مزيد بين ( مَا ) الموصولة وصلتِها لإفادة التأكيد، أي تأكيد مدلول ( ما علمي بما يعملون ). والمعنى : أي شيء علمي بما يعملون. وليس المراد بما كانُوا عملوه من قبل. والواو في قوله :( بما كانوا ( فاعل وليست اسماً ل ( كان ) لأن ( كان ) الزائدة لا تنصب الخبر.
وشمل قوله :( بما كانوا يعملون ( جميع أحوالهم في دينهم ودنياهم في الماضي والحال والمستقبل والظاهر والباطن.
والحساب حقيقته : العَدّ، واستعمل في معنى تمحيض الأعمال وتحقيق ظواهرها وبواطنها بحيث لا يفوت منها شيء أو يشتبه.
والمعنى : أن الله هو الذي يتولّى معاملتهم بما أسلفوا وما يعملون وبحقائق أعمالهم. وهذا المقال اقتضاه قوله :( وما علمي بما كانوا يعملون ( من شموله جميع أعمالهم الظاهرة والباطنة التي منها ما يحاسبون عليه وهو الأهم عند الرسول المشرّع، فلذلك لما قال :( وما علمي بما كانوا يعملون ( أتبعه بقوله :( إن حسابهم إلا على ربي ( على عادة أهل الإرشاد في عدم إهمال فُرصته. وهذا كقول النبي ( ﷺ ) ( فإذا قالوها ( أي لا إلاه إلا الله ) عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله )، أي تحقيق مطابقة باطنهم لظاهرهم على الله.