" صفحة رقم ١٦٧ "
المفضي إلى العبث منزلة الفعل الذي أريد منه العبث عند الشروع فيه فأنكر عليهم البناءُ بإدخال همزة الإنكار على فعل ) تبنون (، وقُيّد بجملة :( تعبثون ( التي هي في موضع الحال من فاعل ) تبنون (، مع أنهم لما بنوا ذلك ما أرادوا بفعلهم عبثاً، فمناط الإنكار من الاستفهام الإنكاري هو البناء المقيّد بالعبث، لأن الحكم إذا دخل على مقيّد بقيْد انصرف إلى ذلك القيد.
وكذلك المعطوف على الفعل المستفهَم عنه وهو جملة :( وتتخذون مصانع ( هو داخل في حيّز الإنكار ومقيَّد بجملة الحال المقيَّد بها المعطوفُ عليه بناءً على أن الحال المتوسطة بين الجملتين ترجع إلى كلتيهما على رأي كثير من علماء أصول الفقه لا سيما إذا قامت القرينة على ذلك.
وقد اختلفت أقوال المفسّرين في تعيين البناء والآيات والمصانع كما سيأتي. وفي بعض ما قالوه ما هو متمحّض للّهو والعبث والفساد، وفي بعضه ما الأصل فيه الإباحة، وفي بعضه ما هو صلاح ونفع كما سيأتي.
وموقع جملة :( أتبنون ( في موضع بدل الاشتمال لجملة :( ألا تتقون ( ( الشعراء : ١٢٤ ) فإن مضمونها مما يشتمل عليه عدم التقوى الذي تسلط عليه الإنكار وهو في معنى النفي.
والرِّيع بكسر الراء : الشَّرف، أي المكان المرتفع، كذا عن ابن عباس، والطريقُ والفج بين الجبلين، كذا قال مجاهد وقتادة.
والآية : العلامة الدالة على الطريق، وتطلق الآية على المصنوع المعجِب لأنه يكون علامة على إتقان صانعه أو عظمة صاحبه.
و ( كل ) مستعمل في الكثرة، أي في الأرياع المشرفة على الطرق المسلوكة، والعبث : العمل الذي لا فائدة نفع فيه.
والمصانع : جمع مَصنع وأصله مَفعَل مشتق من صَنَع فهو مصدر ميمي وُصف به للمبالغة، فقيل : هو الجابية المحفورة في الأرض. وروي عن قتادة : مبنية بالجير يخزن بها الماء ويُسمّى صهريجاً وماجِلاً، وقيل : قصور وهو عن مجاهد.
وكانت بلاد عاد ما بين عُمان وحضرموت شرقاً وغَرباً ومتغلغلة في الشمال إلى الرمال وهي الأحقاق.


الصفحة التالية
Icon