" صفحة رقم ١٧٠ "
وقد جاء في ذكر النعمة بالإجمال الذي يُهَيِّىء السامعين لتلقّي ما يرد بعده فقال :( الذي أمدكم بما تعلمون ( ثم فُصِّل بقوله :( أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ( وأعيد فعل ) أمدّكم ( في جملة التفصيل لزيادة الاهتمام بذلك الإمداد فهو للتوكيد اللفظي. وهذه الجملة بمنزلة بدل البعض من جملة ) أمدكم بما تعلمون ( فإن فعل ) أمدّكم ( الثاني وإن كان مساوياً ل ) أمدكم ( الأول فإنما صار بدلاً منه باعتبار ما تعلق به من قوله :( بأنعام وبنين ( إلخ الذي هو بعض ممّا تعلمون. وكلا الاعتبارين التوكيد والبدل يقتضي الفصل، فلأجله لم تعطف الجملة.
وابتدأ في تعداد النعم بذكر الأنعام لأنها أجلّ نعمة على أهل ذلك البلد، لأن منها أقواتَهم ولباسهم وعليها أسفارهم وكانوا أهلَ نُجعة فهي سبب بقائهم، وعطف عليها البنين لأنهم نعمة عظيمة بأنها أنسهم وعونهم على أسباب الحياة وبقاء ذكرهم بعدهم وكثرة أمتهم، وعطف الجنات والعيون لأنها بها رفاهية حالهم واتساع رزقهم وعيش أنعامهم.
وجملة :( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ( تعليل لإنكار عدم تقواهم وللأمر بالتقوى، أي أخاف عليكم عذاباً إن لم تتقوا، فإن الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده.
والعذاب يجوز أن يريد به عذاباً في الدنيا توعدهم الله به على لسانه، ويجوز أن يريد به عذاب يوم القيامة.
ووصف ) يوم ( ب ) عظيم ( على طريقة المجاز العقلي، أي عظيم ما يحصل فيه من الأهوال.
٦ ١٤٠ ) ) قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ الْوَاعِظِينَ إِنْ هَاذَا إِلاَّ خُلُقُ الاَْوَّلِينَ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ).
أجابوا بتأييسه من أن يقبلوا إرشادَه فجعلوا وعظهُ وعدمه سواء، أي هما سواء في انتفاء ما قصده من وعظه وهو امتثالهم.